امتدادُ العربية
امتدادُ العربية
للغة العربية حضور قويٌّ وتفاعلٌ في كثيرٍ من الحوارات والمنافسات الحضارية اللغوية على مر الزمان، سواء بالانتشار والتوسع أو بصد الهجمات، فقبل الإسلام كان لها انتشار في المناطق الواقعة على حدود الفرس والروم، وفي السواحل الشرقية لأفريقيا مثل جزيرة زنجبار، لذا لا يُستغرب تغنِّي الأعشى بقصائده عند كسرى وامرئ القيس عند قيصر، ولا يستغرب تأثُّر النجاشي بالقرآن والحوارات التي دارت بين قريش والمسلمين أمامه، ومع ظهور الإسلام ثم انتشاره في بقاع الأرض اتسعت رقعة العربية كثيرًا، ولم تعد صفة العربية مرتبطة بالقَبلية أو النسب وإنما بالثقافة واللغة، ولم تمحُ الهوية العربية الخصائص الثقافية والفكرية والدينية وإنما مزجتها في تفاعلٍ أثراها إثراء كبيرًا، ولم تعجز عن استيعاب كلام الشعراء والفلاسفة والكيميائيين والأطباء وغيرهم، أو ما تُرجِم في شتى المجالات محافِظةً على جذورها مجددةً لأوراقها بجهود أبنائها وخططهم العلمية المحكمة، لتشكل ظاهرةً تاريخية تتفرَّد بها العربية عن اللغات كلها تقريبًا.
ورغم ارتباطها الوثيق بالدين دخلت شعوب كثيرة في ظلها دون أن تضطر إلى تغيير عقائدها، ذلك لأن علاقة اللغة العربية بالدين علاقة قوية لكنها ليست علاقة مطابقة –كما يقول المؤلف- فالقرآن الذي هو معجزة نبي الإسلام نزل بالعربية، لكنها في نفس الوقت كانت لغة أعداء الإسلام من قريش، وليست اللغة ملكًا لعلماء الدين أو حكرًا عليهم، وإنما لهم الحق في التحكم بها لأنهم من أبنائها الذين تعمَّقوا فيها على نحوٍ خاص، وذلك واضح في التاريخ، كما في قول القاضي الجرجاني: “والشعر بمعزل عن الدين”؛ والنصوص اللغوية قوتها في أدواتها اللغوية وقيمها الجمالية، وإلا لكنا حذفنا اسم أبي نواس من الدواوين ولم نذكر أهل الجاهلية الذين تشهد الأمة عليهم بالكفر إذا ذكرنا الشعر، وليست اللغة العربية معجزة بحروفها أو مفرداتها، ولكن إعجاز النص القرآني في نظمه وبنائه المحكم، وليست العربية مقدَّسة لكنها تكتسب شرفها من كونها لغة القرآن، والوعد الرباني بحفظه يمنح الناس أملًا في مواجهة ما يُلِمُّ باللغة من مصاعب، وارتباطها به لا يُكبِّل تطوُّرها لكنه يمنع تغيُّرها تغيرًا كليًّا ويحفظها من زوالٍ تام.
الفكرة من كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
اللغة العربية لغة عريقة، وهي من أطول اللغات عمرًا وأكثرها انتشارًا، وقد نالَت شرفًا كبيرًا حين نزل بها القرآن الكريم؛ ولم يعد الحفاظ عليها مرتبطًا بإرث لغوي فقط، وإنما بحفظ الوعاء الذي يحمل رسالة الإسلام. وقد مرت العربية عبر التاريخ بمراحل انتشار وازدهار استوعبت فيها عطاء اللغات والحضارات الأخرى، وبمراحل انحسار وذبول، والحرب التي نشهدها اليوم على لغتنا هي فصل من حكاية طويلة شهِد القرنان الماضيان على كثيرٍ من فصولها التي كتبها الاستعمار ليوهمنا أن التقدم لا يكون إلا بالقطيعة مع التراث، ذلك لأن الشعوب تُستعبد حين يُسلَب منها لسانها؛ وانطلاقًا من ذلك يتناول الكتاب مشكلة اللغة العربية التي هي مشكلة الهوية العربية من جوانب متعددة محاولًا رسم أُطُرٍ للحل.
مؤلف كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
الدكتور أحمد درويش: شاعر وناقد مصري، حصل على ليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وترتيبه الأول على الخريجين بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1967، ثم نال درجة الماجستير في الدراسات البلاغية والنقدية بتقدير ممتاز من نفس الجامعة عام 1972، ثم حصل على دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية: تخصُّص نقد أدبي وأدب مقارن من جامعة السوربون في باريس عام 1982.
وهو عضو خبير في “مجمع اللغة العربية” بالقاهرة، وقد درَّس وحاضر في عدد من الجامعات والمعاهد، وفاز بجوائز عديدة من أهمها جائزة الدولة التقديرية للآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2008.
له مؤلفات كثيرة، منها: “ثقافتنا في عصر العولمة”، و”خليل مطران شاعر الذات والوجدان”، و”في صحبة الأميرين أبي فراس الحمداني وعبد القادر الجزائري”، و”الاستشراق الفرنسي والأدب العربي”، و”نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي”، وديوان “أفئدة الطير”.