اليومُ المنتظر.. ووصايا أستاذ الطب
اليومُ المنتظر.. ووصايا أستاذ الطب
يأتي يوم 10 فبراير 1931 ليعلن مجيء اللحظة التي يستعد فيها الكاتب ليكون طبيبًا أخيرًا بعد أعوام من المشقَّة والسهر والامتحانات وست سنوات في كلية الطب، وليفتح عيادته التي ستكون مملكته الصغيرة، ويكون هو الآمر الناهي فيها والكل لأمره مطيعًا، وها هو يتذكَّر العامين الماضيين حين انتهى من الدراسة والتحق بمصلحة الصحة ليجوب البلاد من بورسعيد إلى إدفو لمكافحة أمراض الطاعون والتيفوس، وحين كان يبيت في الأماكن المتواضعة بين الحشرات وبداخل الخيام الممزَّقة، أو تحت الأسقف المتصدِّعة من الأمطار، لكن مضى ذلك العناء.
ويجب على مثل هذا اليوم المميز أن يُنسيه كل تلك المرارة، فقد كُلِّف بالعمل في تلك القرية الصغيرة وافتتحت مصلحة الصحة له مكتبًا جديدًا، وبدأ الطبيب الشاب في البحث عن مكان لائق لمكتبه وآخر لسكنه، وثالث لعيادته، ولعلَّ ما تذكَّره في ذلك الحين هو وصايا أحد أساتذته في كلية الطب لما نصحه بأن يجعل من مكتبه وعيادته محرابًا لا يدنِّس قداسته، وأن يكون رحيمًا بالناس يعلم مراقبة الله له، ولا يمد يده إلى حرام أو شبهة حرام، ولعلَّ ما ذكره بتلك الوصايا هو ثلاث حوادث مرَّ بها ووُضع بها تحت الاختبار، فما تلك الحوادث؟
كانت الحادثة الأولى في أثناء عمله في بورسعيد لمكافحة الطاعون وتطعيم سكان المدينة، إذ دخلت عليه فتاة فائقة الجمال والأنوثة لم تتجاوز عامها الثامن عشر، بل إنها لاحظت إعجابه بها وتوتُّره حين أمسك ساعدها لحقنها، وقد قضى ليلته بعد تلك اللحظة هائمًا بتزيين الشيطان طريق المعصية له، ثم جاءته في اليوم التالي وأخذ يتلطَّف معها بالكلام، لكن لم يعجبه الوضع وقد تذكَّر الوصايا، فقرَّر أن يردها ردًّا عنيفًا جعلها تقطع زيارتها، ومرت الأيام ففوجئ بأحد زملائه الأطباء يمرَض مرضًا غريبًا تسبَّب في أن يفقد قواه العقلية بعد ستة أشهر من الآلام المتصلة والعلاج، وقد علم الطبيب منه أن تلك الفتاة أهدته ذلك المرض بعدما نجحت في اقتناصه، وأنها لم تكن إلا إحدى بائعات الهوى.
الفكرة من كتاب يوميات طبيب في الأرياف
تخرَّج طالب الطب أخيرًا ليكون طبيبًا بحق بعد رحلة طويلة من عناء الدراسة والامتحانات الشاقة، ومن الكتب والتحصيل والمجلدات، ها هو ينتقل أخيرًا إلى الحياة العملية بكل جوانبها، ويحكي صاحب هذا الكتاب رحلته كطبيب في أيامه الأولى عند استلامه العمل في إحدى قرى الريف، فرأى من حلاوة العيش ما رأى، ومن مرارة الحياة أيضًا وصعوبتها ومشاقِّها، ليضع في هذا الكتاب خبرة وعبرة للطبيب الناشئ بشكل خاص، وللجميع عامةً في مواجهة الحياة.
مؤلف كتاب يوميات طبيب في الأرياف
دمرداش أحمد: طبيب ومؤلف مصري، مارس مهنة الطب في بداية حياته في الأرياف واستمر لنحو عشرين عامًا.