اليوتوبيا في عصر اللا يقين
اليوتوبيا في عصر اللا يقين
ظهرت اليوتوبيا بصيغة أدبية على يد توماس مور في القرن السادس عشر، كرغبة عارمة للإنسان بأن يحقق الفردوس الأرضي، وينشئ حالة من الكمال بدلًا من النظام المعطوب الحالي، الذي يتسم بالعشوائية ولا نسيطر عليه أو نتحكم فيه بكل شيء، فأمام ضربات القدر لجأ الإنسان إلى اليوتوبيا كبوصلة تحدد كل أعماله، فلا يهم إن كان الإنتاج أدبيًّا أو علميًّا، المهم أن تكون المركزية للاقتراب أكثر من اليوتوبيا.
كانت حالة الثقة في القدرة البشرية مثيرة للإعجاب، فكيف تنجح في صناعة الفردوس رغم فشلها في إدارة العالم في المقام الأول، هذا ما نستشفه من نظرنا إلى تاريخ تطور دور البشر في العالم، فكان الطور الأول هو أننا حراس هدفنا حماية نعم الله في الأرض واستدامتها، وانتقلنا إلى الطور الثاني بأننا نستطيع بالجهد والرعاية أن نتحكم في الأرض، ثم تحولنا إلى الطور النهائي وهو سباق واستهلاك محموم منغمس في الملذات نتيجة فقدان المعنى.
حتى مفهوم اليوتوبيا نفسه تحول إلى حل فردي وهروب من الاستهلاك عبر الرغبة في إعادة هيكلة كلية للحياة، ومع الوقت اختفت اليوتوبيا من خرائط الخطابات المعرفية والأدبية، وتبقى كل المحاولات المستمر لطرد الملل هدفها الهروب من التفكير في وضعنا التعيس، وأن نبقى في السباق، لأن مجرد التخلف عن المواكبة هو فشل، نتيجة فقدان المعنى والحرية، فرغبة الفرد بإصلاح العالم والمشكلات الكبرى التي يواجهها تذكره دومًا بعجزه وخوفه.
الفكرة من كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
يعيش عالمنا الحديث حالة استثنائية في تاريخ وجودنا البشري، بسبب التحولات الكبيرة التي أصابت البنية الاجتماعية والمرجعيات الأساسية التي استندت إليها البشرية لسنوات، فكل القيم والأطر الصلبة المتماسكة ذات المعالم الواضحة تحولت إلى سوائل تتشكل حسب حاجة القوى العملاقة المتصارعة في زمن العولمة.
ما تلك التحولات الرئيسة؟ وما أثر ذلك في الفرد البسيط في حياته اليومية؟ كيف جعلت تلك التحولات علاقاته هشة ومخاوفه كبيرة حتى مع زيادة التكنولوجيا وإجراءات الأمان، وما الذي يغذي حالة اللا يقين المسيطرة على الأفكار؟ وكيف حولنا النظام الاقتصادي الذي بنيناه إلى مجرد أشياء؟ كل ذلك هو ما يحاول كتابنا الإجابة عنه!
مؤلف كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
زيجمونت باومان، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، وهو بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، استقر في انجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله ” الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية” و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللا يقين”
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر، أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبد الوهاب المسيري” وسيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل “عن الله والإنسان” و”الحب السائل”.