الولايات المتحدة
الولايات المتحدة
الولايات المتحدة في نظر الكثيرين هي مهد الديمقراطية، ولكن عند محاولة النظر في تاريخ الاستثناء بها، نجد أنه نشأ نتيجة للعلاقة الجدلية بين سلطات الرئيس وسلطات الكونغرس، فمن غير المحدد على وجه الدقة أيهما صاحب القرار السيادي؟ أو أيهما صاحب السلطات العليا في حالة الطوارئ؟
وقد بدأ التعدي على سلطة الكونجرس، من قبل لنكولن، حين جنَّد جيشًا، في حين كان هذا الاختصاص للكونجرس، وعلق امتياز المثول أمام القضاء للجنود، وأصدر قرارات رئاسية منفردة تتضمَّن تدابير استثنائية حتى بعد انعقاد الكونجرس، وبرَّر هذا أمام الكونجرس بأنه تصرُّف تحت ضغط شعبي، وحالة ضرورة عامة وأن التدابير التي اتخذها قانونية كانت أم غير قانونية كان متقينًا أن الكونجرس سيصدق عليها، ورغم إدراك الكونجرس أن صلاحيته انتُهِكَت، فلم يكن بوسعه فعل أي شيء سوى التصديق على قرارات الرئيس، ثم عمَّم بعدها تطبيق حالة الاستثناء على جميع أراضي الولايات المتحدة، وبهذا يكون الرئيس هو المختص بالتحكم في حالة الاستثناء.
ثم أتى ويلسون ليستخدم طريقة أشبه بالطريقة التي تمارس الآن من قبل الحكام، وهي إصدار قوانين استثنائية بدلًا من إعلان حالة الاستثناء، ومن بعده روزفلت الذي تمسَّك بالمجاز الحربي كلما رغب في فرض قرار يظن أنه حيوي، استنادًا إلى أن سلطاته السيادية كرئيس تستند بالأساس إلى وجود ظرف طارئ مرتبط بالحرب، فحصل على سلطات استثنائية لمواجهة الكساد العظيم، ثم توسَّعت هذه السلطات مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولا سيما مع اندلاع حالة طوارئ محدودة، تحولت إلى حالة لا محدودة، ثم وقع الانتهاك الأكبر للحقوق المدنية (والذي كان دافعه الوحيد عرقيًّا) حين هُجِّر سبعون ألف مواطن أمريكي من أصول يابانية، كانوا يقيمون على الساحل الغربي (إضافة إلى أربعين ألف مواطن ياباني كانوا يقيمون ويعملون هناك).
الفكرة من كتاب حالة الاستثناء
يستمد القانون قوَّته من كونه إلزاميًّا، وليس ممكنًا الحياد عنه، غير أن الضرورة أحيانًا قد تدفع للخروج عليه، وبخاصةٍ حين يكون الوضع استثنائيًّا، إلا أن الدول استعملت هذه الحالة الاستثنائية كقاعدة، لا سيما أنها توفر لها مزايا ليست في الوضع الطبيعي متذرِّعة بالتهديدات والاعتداءات لفرض هذه الحالة الاستثنائية، ومستعملة إياها كفزاعة لاستمالة الشعوب للرضا بها، بل وطلبها في بعض الأحيان.
ففهم حالة الاستثناء مدخل لفهم طريقة الحكم في البلاد العربية التي تستخدم قانون الطوارئ لتكبيل شعوبها، أو تعليق اللوائح والقوانين، أو وضع تعديلات لتناسب الفئة المتحكمة، أو إصدار قانون جديد مع تعليقه، في غياب القواعد العادلة، والسلطة التشريعية التي تصدر القوانين وتراقب إصدار السلطة التنفيذية لها.
كل هذا وأكثر يدفعك إلى التعرف على حالة الاستثناء، وسماتها وتجلياتها ومعايير تحديدها، وكيف نشأت وكيف تطبق، وما حدود سيادة القانون، وما طبيعة هذه السيادة؟
مولف كتاب حالة الاستثناء
جورجو أغامبين Giorgio Agamben: فيلسوف إيطالي، يعدُّ أحد رواد الفلسفة الإيطالية، والنظرية السياسية الراديكالية، ولد في روما عام 1942، وأكمل دراساته في القانون والفلسفة بأطروحة دكتوراه في الفكر السياسي لسيمون ويل، مما يكشف ابتعاده عن الدراسات القانونية التقنية البحتة، وتحوُّله الواضح نحو الاهتمام بمسائل فلسفية.
درِّس في العديد من الجامعات الإيطالية، وعمل أستاذًا زائرًا في كثير من جامعات الولايات المتحدة، أشرف على ترجمة الأعمال الكاملة للفيلسوف الألماني فالتر بنيامين، ومن أهم أعماله:
رجل بلا المحتوى.
رباعية الإنسان الحرام.
اللغة والموت: مكان السلبية.
وسائل بلا نهاية: ملاحظات على السياسة.