الوعي
كما ذكرنا، السعادة والاستقرار غير مرتبطين بالوصول إلى الأهداف، لأنه بمجرد الوصول إليها تظهر أهداف أخرى، وحينها نوهم أنفسنا بأن الاستقرار لن يتحقق إلا بتحقيقها ومن ثم ندخل في دوامة، ولنخرج منها لا بد أن نُدرك أن السعادة لا تأتي من العالم الخارجي حيث السفر والطعام والأصدقاء بل من الداخل، من عالم الوعي.
الوعي هنا لا يُقصد به الاستيقاظ والقدرة على الانتباه للعالم من حولنا فحسب، بل إن الوعي لا يكتمل دون إدراك للمجريات الداخلية في نفس الإنسان، والوعي حالة متقطعة لأننا نحن البشر عند المرور بمواقف معينة نفقد توازننا، ولكن يُمكن أن نحظى بأعلى قدر من لحظات الوعي من خلال التمرن، فالوعي كالعضلة إذا تحركت قوَت وإذا أهملت ضمرت، ولنصل إلى أعلى درجات الوعي، سنمر على خمس مراحل، في المرحلة الأولى سنراقب عقولنا بأفكارها وثرثرتها، دون إبداء أحكام، وفي أوقات لا نحمل فيها أي شحنات سلبية أو إيجابية، وبعد مرور أسابيع أو شهور، سوف نُدرك أن هذه الثرثرة لا تُقدم ولا تُؤخر، بل تهدر طاقة.
حينها نصبح جاهزين للمرحلة الثانية حيث يتم اللجوء إلى تهدئة العقل عبر تمارين التأمل، ولا يشترط الوجود في بيئة هادئة وسط زيوت مُعطرة، بل يُفضل التأمل وسط الضوضاء، وعندما نصبح قادرين على إيقاف ثرثرة العقل تبدأ المرحلة الثالثة، التي نُصغي فيها لشريط عقل الآخرين، سنقوم بالتركيز على أفكارهم وكلامهم وتعابير وجوههم، وردود أفعالهم في أثناء المدح والنقد، وهذا سيساعد على اكتشاف نقاط ضعفهم وقوتهم، ومن ثم نُدرك أنه لا داعي من الخوف من الانخراط بينهم، وأن الطاقة التي نبذلها في التفكير في انعكاس صورتنا في أذهانهم هي طاقة مُهدرة، وانطلاقًا من هذه المرحلة، ننتقل إلى المرحلة الرابعة وهي مرحلة التقبل، تقبل الآخرين بحديثهم وعملهم وزلاتهم وكراهيتهم دون أي محاولة لتغيير سلوكياتهم، لأننا سنكتشف أن هذا نتاج نواقص وصراعات داخلية لا دخل لنا فيها، عندها لن نسعى لتقبلها فقط، بل سنسعي في المرحلة الخامسة أن نشفق عليهم بصدق، فالإساءة ما هي إلا صرخة استغاثة نتيجة شعور بنقص عميق داخلي.
الفكرة من كتاب المنهج الذي لا يُُدرس
قلق مزمن، وتوتر، وخوف من المستقبل، وتشتت، وضياع، وصراعات يومية سواء مع النفس أو مع الغير، أصبح هذا هو الوضع السائد في عصرنا الحالي، نجتهد في الدراسة، ونستيقظ مبكرًا، ونضع جداول وخططًا بهدف تنظيم الوقت، ونتأهب لقهر أعدائنا، ونتخرج ونعمل باجتهاد، ونستغني عن ساعات الراحة والأوقات الممتعة التي نقضيها مع الأهل أو الأصدقاء بهدف الوصول إلى حالة من الاستقرار والرضا في المستقبل، لكن لا نُدرك أن هذا الاستقرار لا يتحقق بالوصول إلى الأهداف أو بالحصول على الاعتراف من الآخرين،
فالاستقرار يبدأ من الداخل عن طريق زيادة درجة الوعي والشعور بالقيمة الذاتية العالية التي بدورها تحرر العقول لتُبدع، وهذا هو هدف الكتاب، لكن انتبه.. لن تجد هنا خطوات مباشرة للوصول إلى الاستقرار، بل سنعرف معًا معوقات الوصول إلى الاستقرار الداخلي، ومن ثم سنصبح قادرين على تكوين المنهجية الخاصة بنا.
مؤلف كتاب المنهج الذي لا يُُدرس
خولة فؤاد على: طبيبة بحرينية، استشارية في أمراض الغدد الصماء والسكري والسمنة، وأستاذة مساعدة بالكلية الملكية للجراحين بأيرلندا – جامعة البحرين الطبية، تخرجت في مستشفى وايل كورنيل بنيويورك، ومستشفى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة الأمريكية، ويتابعها أكثر من ٢٠٠ ألف متابع، وشاهد محتواها ما يزيد على مليون شخص من مختلف الدول العربية والعالمية، فهي تُعد من رواد التثقيف الطبي والحياتي في وسائل التواصل الاجتماعي.