الوعد بالبطالة
الوعد بالبطالة
بعد الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي أدت الاضطرابات المجتمعية إلى نشأة الرأسمالية الفُوردية للمطالبة بالأمن الوظيفي بجانب الكفاءة والإنتاجية العقلانية، وتجلى تطبيق هذه القيم في لوحة مشهورة اسمها “شارع كولينز عند الخامسة مساءً”، رسمها (جون براك | john brack) سنة 1955، وتصف اللوحة حال العمّال وهم خارجون من مكاتبهم البالية، عائدون إلى منازلهم بأحد الشوارع الأسترالية، وتجد على وجوههم علامات الملل والكآبة، ويرجع السبب إلى الإيقاع المتكرر بين العمل والحياة، إذ زَرع في نفوس العمال نوعًا من السأم، وجعل حياتهم تبدو بليدة راكدة ولكنها آمنة ومضمونة.
وبعد ذلك في أواخر الستينيات، ازداد هذا الاستياء قوة، وبدأ الناس يطلبون شيئًا آخر غير الأمن وهو التعبير عن الذات والصلات الإنسانية الحقيقية، والخروج عن تقييد الحياة الفوردية، ومع ظهور الرأسمالية الجديدة حدث تغيّر درامي في حياة العمل فلا وجود للسأم بعد اليوم، بل سيصبح العمل وسيلة لاكتشاف إمكانياتك غير المستغلة والتعبير عن نفسك، وهكذا صارت الشركات تقدم نموذجًا ثقافيًّا جديدًا يعتمد على الإبداع والفنانين، انطلقت على إثره العديد من الإبداعات في فجر الألفية الجديدة في مجال التكنولوجيا والمعلومات.
دعنا نكمل في المقارنة بين نمط الحياة فترة العصر الفوردي والفترة الحالية، فقديمًا كان من المتوقع أن يعمل الموظفون مع رب العمل نفسه طوال حياتهم، أما الآن فقد صار أمر الاستقرار الوظيفي من الذكريات البعيدة، والشائع هو حالة اللا يقين، فلا تعلم في أثناء عملك إن كانت هذه هي لحظتك الأخيرة فيه أم لا، وهناك فارق جوهري آخر وهو ذوبان الفوارق بين العمل والحياة، فأصبح العمال ماكثين في المكتب أو مركزين على أمور تخص العمل، فهم في هالة العمل طوال الوقت. وبطبيعة الحال راح عمّال الحقبة الحالية إما يبحثون عن عمل وإما يتحينون التسريح من عملهم، ورغم كل ذلك يجب ألا يظهروا مشاعر القلق، وفي المقابل يظهرون أنهم إيجابيون وقادرون على توظيف أنفسهم، وأن يستخدموا وسائل لتسويق وتطوير أنفسهم بالإضافة إلى صقل مهاراتهم وإظهار كونهم قابلين للتوظيف، ولكن في الكفة الأخرى نجد سوق العمل لا تعرض سوى عدد قليل من الوظائف.
الفكرة من كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
في واقعنا المعاصر لم يعد يكفي أن تكون إنسانًا عاديًّا، بل يجب أن تصبح في طَور الإنسان الكامل الذي يتمتع بصحة جيدة وبوزن مثالي، ويفكر بشكل إيجابي دائمًا ولديه هوس دائم بالسعادة، وهذا الشكل من المثالية والكمال لا يسعى إليه إنسان العصر الحديث لنفسه، بل من أجل عدم التخلي عنه من قبل سوق العمل الذي لا يأبه إلا لزيادة الإنتاجية، ولأن من الصعب الوصول إلى الكمال المنشود، تقع في أسر الشعور بالذنب، فكيف يحدث ذلك؟ وما أثره في حياتك؟ هذا ما سنجده مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
كارل سيدرستروم: كاتب سويدي، وأستاذ مشارك في كلية ستوكهولم في قسم إدارة الأعمال، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة Lund، مهتم بدراسة مجالات تتعلق بالفلسفة والثقافة الغربية المعاصرة، بما في ذلك الفلسفة السياسية وفلسفة الحياة والعمل، كما قدم العديد من المساهمات في مجال البحث والنشر والمقالات للصحف والمجلات الأكاديمية مثل: The New York Times, The Guardian, The Atlantic and Harvard Business Review. له مؤلفات عدة، من أشهرها:
The Happiness Fantasy
Desperately Seeking Self-Improvement: A Year Inside the Optimization Movement
أندريه سبايسر: كاتب نيوزيلندي، يعمل أستاذًا في كلية Cass Business بجامعة سيتي لندن، نشرت له كتابات في العديد من الصحف والمجلات مثل: Guardian, Financial Times, Times, Independent and CNN
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
Metaphors We Lead By: Understanding Leadership in the Real World
Unmasking the Entrepreneur
معلومات عن المُترجمين:
عبد المنعم المحجوب: باحث لغوي ومُفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب: ليبيا 2022 – 1911″، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
أنس المحجوب: شارك في ترجمة كتابي: (المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟) و(سجناء الجغرافيا).