الوضوء.. في البدء كان الماء
الوضوء.. في البدء كان الماء
على مرِّ التاريخ مثَّل الماء، ولا يزال، رمزًا للحياة، وارتبط بقيام الحضارات على جانبي النهر الذي مَثَّلَ ملجأً للإنسان يأوي إليه بعد وحشة الكهوف، وقد وصفه الله تعالى في القرآن بأنه حياة لكل شيء: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ﴾، فالماء الذي يحيي الأرض ويسهم في إثمارها في إمكانه المشاركة في إحيائنا نحن أيضًا، وحينما ننوي الوضوء للصلاة لا يكون الهدف مجرد النظافة استعدادًا للوقوف بين يدي الله فقط، إنما اشتياق أرض بور إلى قطرة ماء تبعث فيها الحياة من جديد وتؤهلنا للمهمة التي خُلِقنَا من أجلها: تغيير العالم.
وإذا نظرنا إلى الصلاة بوصفها دورة تدريبية تتكرَّر خمس مرات يوميًّا وعلى مدار العمر، فإن الماء هنا يأتي قبل أداء التدريب لا بعده، ويظن الكاتب أن الماء لا يسهم فقط في الدور البدني إنما في تنشيط الروح أيضًا، نفخة الله في الإنسان يمر عليها الماء ليبعث فيها الحياة من جديد.
إذا تأمَّلنا في الأعضاء التي يجب أن يشتمل عليها الوضوء لوجدنا أن لكل منهم رمزًا ومعنًى؛ الوجه الذي يمثِّل وِجهَةَ الإنسان في الحياة إلى أي طريق سينظر ثم يمضي، وهو وجه إبراهيم الذي قلبه في السماء بحثًا عن الحقيقة حتى اهتدى إليها، ثم الأيدي التي تعين على البناء والتعمير، وهي نفسها التي رفع بها إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) أول بيت وُضِعَ للناس، ثم الرأس الذي يحوي كل شيء نملكه من أحلام وآمال والعقل الذي مَيَّزَنَا الله به عن سائر مخلوقاته، وأخيرًا الأرجل التي نمشي بها في كل دروب الحياة ونقف عليها لنعلي البناء.
ربما يكون أول من أدى الوضوء هو نفسه أول من رفع القواعد من البيت الذي وضعه الله للناس في الأرض، وهو أول من أذن في الناس فأتوه على كل ضامر من كل فَجٍّ مُلَبِّينَ نداءه إلى يوم الناس هذا، يغتسلون من البئر التي تَفجَّرَت تحت قدمي ابنه في أرض قاحلة لا حياة فيها، فصارت من بعدها مهوى الأفئدة ونواة لحضارة عظيمة يتوضَّأ أهلها ويؤدون الصلاة خمس مرات يوميًّا.
الفكرة من كتاب ملكوت الواقع.. ممهدات وحوافز قبل الانطلاق
يهدف الكاتب إلى تناول المعاني الكامنة في الأذان، وتوقيتات الصلاة والوضوء والنية والتكبير ثم دعاء الاستفتاح، وعلاقة بعض أركان الصلاة بالتجربة الإبراهيمية الخالدة.
مؤلف كتاب ملكوت الواقع.. ممهدات وحوافز قبل الانطلاق
وُلِدَ أحمد خيري العمري في العراق عام 1970، وتخرج طبيبًا للأسنان، صدر له لأول مرة كتاب “البوصلة القرآنية” في العام 2003، ثم أتبعه بمؤلفات مهمة مثل “سيرة خليفة قادم”، و”استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة” وغيرها، يحاول تقديم منهج منضبط يتجاوز الجمود الحادث وتفلُّت الموجات التجديدية.