الوجود وإرادة الإنسان
الوجود وإرادة الإنسان
إنَّ كل الظواهر الطبيعية والكونية منسوبة إلى الله عز وجلّ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖوَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَۖ﴾، وهذا هو الفرق بين التوصيف الإسلامي والعلماني للأمور، فالعلماني يقول نزلت الصاعقة على فلان والمسلم الموحد يقول أنزل الله الصاعقة على فلان، وقد يتساءل البعض إذا كان الله خالق كل هذا الكون وكل هذه الظواهر فلماذا تشعر أنها تسير وفقًا لأنظمتها الخاصة؟ فيجيب الكاتب عن هذا التساؤل بأن الله يجعل لفعل هذه المؤثرات أسبابًا وقوانين ليخفي مشيئته، وكأنها تُفعل من نفسها للاستدلال.
إننا نجد في القرآن أن الله يسند الأعمال إلى العباد ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ولكنه يبين لنا هذا الازدواج فنفهم في مواضع عدّة أن الله قد استخلف الإنسان في الأرض لعمارتها ونفخ فيه من روحه وسخّر له الطبيعة وطوّع له القوانين ومكّنه من العمل، أي إن الله أعطى الإنسان إرادة وحرية، ولا تعارض بين إرادة الله وإرادة الإنسان، فهاتان الإرادتان تعملان في تطابق خفي وكأنهما إرادة واحدة ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ فلا يُكره الله العبد على شيء بل يعطيه من جنس قلبه وما أراده لنفسه ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾.
وبواطن القلوب والنيات هي التي تحكم ذلك، ويكون بذلك التسيير هو عين التخيير والتخيير هو عين التسيير، فإذا اعترض أحدهم وقال إن الله يعلم سلفًا كل شيء؟ نعم يعلم، ولكنَّ الله يعلم علم إحاطة وشمول لا علم تقرير وتقدير في اختيارات العبد وإرادته، فحقيقة العباد أزلية قديمة أعطاها الله لبسة الوجود؛ فنمَت الزرعة بالصفات التي تعبّر عنها الجينات الموجودة بها منذ كانت خلية.
الفكرة من كتاب الوجود والعدم
يتحدث الكاتب في هذا الكتاب عن علاقة الله عز وجل بالبشر وسائر الموجودات وكيف أوجد البشر من العدم، كما يوضح كيفية فهمنا واستيعابنا لأسماء الله وصفاته، مشيرًا إلى مسألة التسيير والتخيير وإرادة الإنسان بشكل فلسفي عميق، ثم يتحدث عن آداب التقرب والسير إلى الله، ويذكر الكثير من مبادئ الصوفية وأقوالهم وآرائهم في هذا الشأن.
مؤلف كتاب الوجود والعدم
مصطفى محمود، فيلسوف وطبيب وكاتب مصري. وُلِد في الـ27 من ديسمبر 1921.
تميز أسلوبه في الكتابة بالجاذبية مع العمق والبساطة، وألَّف 89 كتابًا منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية، منها: أناشيد الإثم والبراءة، وسقوط اليسار، والقرآن كائن حي.
توفي في الـ31 من أكتوبر عام 2009، عن عمر ناهز الـ 87 عامًا.