الوجه الآخر للألم
الوجه الآخر للألم
إن أصعب ما في الجذام هو انعدام وجود منبِّه للخطر، هذا المنبِّه متمثِّل في الجسم الإنساني في الشعور بالألم، هذه الصعوبة تصل إلى ذروتها في اللحظة التي يفقد فيها مرضى الجُذام البصر، فتخيَّل اجتماع انعدام الشعور مع انعدام البصر!
هناك العديد من الوجوه المخفية في انعدام الألم ووجوده متمثِّلة في مُعاناة مرضى الجُذام، منها استجابتهم للضغط المتكرر، إذ إنَّ عدم الإحساس بالضغط المتكرِّر آلاف المرات على الجلد -وإن كان طفيفًا لا يضر بمفرده- يتسبَّب بضرر كبير، وهذا ما يحدث عند المشي في حالة المجذوم، فإنه لفقدانه الشعور بالضغط على جلده وإن كان ضغطًا قليلًا، يجعل من تغيير مشيته أمرًا غير مطروح، فالشخص السليم وإن لم يصادف عقبةً في طريقه فإنه يسير عشرات الأميال دون أن يتضرَّر جلده، نتيجة التغيير المستمر الحاصل في المشية استجابةً لذلك الضغط المتكرِّر، وتكمن أيضًا الهبة المخفية في تدرُّج الألم من الإنذار الخفيف إلى الإنذار الموجِب للاستجابة؛ ما يعد نعمةً حُرِم منها المجذومون، فببساطة جهاز الإنذار لديهم معطَّل، ولقد تشابه مرضى السُّكري العصبي المصابون بالقرح مع مرضى الجُذام،
في فقدان الشعور بالألم في أقدامهم، حيث كانوا يفعلون تمامًا ما يفعله مرضى الجُذام من عدم تغيير المشية أثناء السير، ما يسبِّب ضررًا في الأنسجة وقروحًا شديدة، إذ إنَّ هناك جانبًا من الامتنان للألم، فالورم الحاصل ينادي بالحاجة العاجلة إلى الدم، والقيح دليل على معركة خلوية، وارتفاع الحرارة الموضعي مؤشر إجهاد، وزيادة الحمى تسريعٌ لدوران الدم، حتى القيء هو إعادة ترتيب للمعدة في سبيل التخلُّص من كل ما هو ليس مرغوبًا به، هذا التكوين الواقع من الألم مزيج من الإنذار والعلاج الذاتي للجسم،
ويحمل الألم كذلك المواصفات الإيجابية التي يحتاجها الجسم للتعافي والتخلُّص من ذلك الألم، كذلك الأمل أمر مستدعٍ للتضافر المجتمعي، فنداءات الألم بمثابة نداء استغاثة، ورغبة مُلحَّة في المساندة، ويجب الاستجابة لهذه النداءات، لأنها بشكلٍ أو بآخر من أهم العوامل المخفِّفة من حدة الألم الناتج عن الفكرة الذهنية، فالوحدة مرتعٌ للآلام.
الفكرة من كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
هذا الكتاب بمثابة مذكرات شخصية للدكتور بول براند في رحلته التي تنقَّل فيها بين أعماق الفقر إلى أقصى أنواع الرفاه، وبين أحوال المجذومين في الهند، وأحوالهم في الولايات المتحدة، وقد حاول على طول هذه الرحلة الإجابة عن أسئلته المتعلقة بالألم، وفلسفته، وأثر غيابه في نفس الإنسان في مقابل غيابه من جسده.
مؤلف كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
بول براند: طبيب جرَّاح وُلِد في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م لأبوين تبشيريين بالديانة المسيحية، وقد كان من أهم الجرَّاحين المُساهمين في العلاج الجذري من مرض الجُذام الذي كان من أصعب الأمراض في ذلك العصر، نشأ في الهند مع أبويه ثم انتقل إلى إنجلترا لاستكمال دراسته، ثم عاد إلى الهند مجدَّدًا بعد أن أصبح جرَّاحًا، وأنشأ مشفى لعلاج مرضى الجُذام هناك، ثم عاد إلى الولايات المتحدة بعد 19 عامًا من العمل في الهند، وتوفِّيَ عام 2003م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، وله من الكُتب: “الموسم الأبدي”، واشترك مع فيليب يانسي في كتاب: “في صورته”، و”صُنع بعجب وتفوُّق”.