الواقع المجتمعي الجديد
الواقع المجتمعي الجديد
منذ أن سيطرت تطبيقات التواصل الاجتماعي على تفاصيل الحياة اليومية، والوجود الإنساني يتمزَّق كل يوم شيئًا فشيئًا، حيث أتاحت تبادل العديد من الوسائط الرقمية المختلفة كالآراء والصور والموسيقى ومقاطع الفيديو، وأصبحت تلك الشبكات بلا شك بديلًا عن التواصل البشري الحقيقي، كما عبثت التكنولوجيا بأدق خصوصياتنا عبر فرضها أنماطًا جديدة من القواعد الاجتماعية يجب الالتزام بها وإلا نخرج بذلك عن دائرة الوجود الرقمي، مما يشير إلى أن ثمة انعكاسات مهمة على حياتنا في المستقبل.
ربما يرتكز نجاح وسائل التواصل تلك إلى تزايد ضغوطات الحياة اليومية، بالإضافة إلى بروز الحاجة إلى خلق نوع من الترابط والانخراط في حوارات وعلاقات متبادلة وتكوين صداقات جديدة، عبر التواصل بين البشر وتبادل المعلومات لتحسين جودة وفاعلية الحياة، كما أصبحت تلك الوسائط الرقمية وسيلة كذلك لإشباع بعض الحاجات النفسية كالحب والاهتمام والمشاركة الوجدانية وخلق عدد أكبر من العلاقات الاجتماعية بغية الهروب من شبح الوحدة، فالإنسان كائن مدنيٌّ بطبعه، وكما أن له احتياجات مادية وبيولوجية يعمل على إشباعها، فكذلك الأمر بالنسبة إلى الاحتياجات العاطفية.
ومن الأمور المثيرة في هذا العالم الاجتماعي الرقمي، ضعف الكوابح النفسية للإدلاء بمعلوماتنا الشخصية والتفاصيل اليومية لأناس ربما لم ولن نقابلهم مستقبلًا، وهذا ما أثار دهشة الباحثين حينما يرون أن بعض الأفراد أكثر حذرًا في التواصل الحقيقي من نظيره الرقمي! مما حدا بهم إلى دراسة تلك العلاقة الاجتماعية الغريبة، فأشار بعضهم إلى ما يسمى بالمكافآت النفسية التي يحصلون عليها من الاهتمام والإعجاب والانبهار والتقدير من مشاركة تفاصيلهم الخاصة على السوشيال ميديا، وكذلك قد يشكِّل عدم التواصل الجسدي والتقاء العيون نوعًا من غياب كوابح الإنذار أو ما يسمى بلغة الجسد الدفاعية، مما يُغري الكثيرين للإفصاح عن معلوماتهم الشخصية ومشاركتها.
الفكرة من كتاب تغيُّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
“إن الأجهزة والتقنيات الرقمية، كشأن الأطعمة، بعضها أشد ضررًا أو أكثر نفعًا من البعض الآخر، وعلى ذلك إذا أردنا أن نتجنَّب أضرارها ونجني فوائدها، فعلينا أن نفهم أولًا كيف تؤثِّر هذه الأجهزة في أدمغتنا”.
يعدُّ هذا الكتاب خطوةً على طريق استشراف المستقبل الرقمي وآثاره في البشر، فهو يرصد وقائع هذا الزمن غير المسبوق، ويلقي بالظلال على ميكانيزم عمل الدماغ البشرية، ومن ثم يوضح أثر وسائل التواصل الاجتماعي في الوجدان البشري، وكذلك يحلل الأثر الناتج عن الألعاب الإلكترونية على الدماغ البشري.
مؤلف كتاب تغيُّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
سوزان أديل غرينفيلد (Susan Adele Greenfield): عالمة وكاتبة ومذيعة بريطانية وعضو مجلس اللوردات، وُلدت في لندن عام 1950 وهي تعمل وتعيش في أكسفورد، تخرجت في قسم علم النفس عام 1973، وحصلت على درجة الماجستير عام 1974 في الآداب من جامعة أكسفورد، ثم درجة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1977.
كما حصلت على 23 درجة شرفية والعديد من الزمالات البحثية من الجامعات البريطانية والدولية المختلفة، تعمل حاليًّا زميلًا بحثيًّا أول في كلية لينكولن بجامعة أكسفورد، وترأس فريقًا متعدد التخصصات لدراسة آليات الدماغ المتعلقة ببعض الأمراض مثل داء الزهايمر وداء باركنسون.
لها العديد من الكتب والمؤلفات منها: “الحياة الخاصة للدماغ”، و”العقل البشري”، و”يوم في حياة الدماغ”.