الواقع أمام النص.. الفرح كطقس مؤقت
الواقع أمام النص.. الفرح كطقس مؤقت
يختلف النبيذ في المسيحية عن أي مشروب خمري آخر ولم يتعرض لحملات التطويع بنفس درجة الخمور الأخرى، فغالبًا كان يتم تجاهله واستثناؤه من الموضوع، فهذه المرة لم تكن هناك أي طريقة للافتكاك من النص، فما أكثر الأحداث النبيذية المذكورة في كتابهم المُقدّس، وغالبًا ما ترتبط بطقوس اجتماعية مرتبطة بالفرح، وهذه كانت مشكلة أخرى تواجه النبيذ والخمر بشكل عام، فمن المعروف أن المسيحية ديانة تذم العالم الأرضي دائمًا ويكون الفرح فيها مدعاة للندم، ولذلك أصبحت طقوس مجالس الشراب شيئًا منبوذًا ومحكومًا عليه بالشر والانحطاط بالرغم من التراث الطويل لمجالس الخمر في التاريخ القبطي..
هذه الرمزية التي خبرناها على مدار الكتاب لم تُكتسب وتتراكم من داخل الديانة المسيحية فقط، ولكن الطبيعة الزراعية لمصر أكسبتها طقوسًا ومناسبات ومزجتها معها حتى أصبحنا لا نعرف من أكسب الآخر قدسيته، فمن الطبيعي في أي مطبخ وجود أطعمة لكل طقس ومحصول، ولكن أن يكون لهذه الأطعمة بعد وتقدير آخر دينيًّا فهذا غير شائع، ولكن منذ متى كانت الرمزية شيئًا غريبًا على المسيحية؟ وبالطبع أضاف هذا البعد الديني تقديرًا لمكونات كانت ذات أهمية بالفعل ولكنها حصلت على الرعاية المسيحية، ومن ذلك الطقس المسيحي الخاص بشرب الخل بعد يوم من الصوم أسوة بالمسيح ، أما عن طقوس الأعياد فربما لا يختلف الموضوع كثيرًا عن أي عائلة شرق أوسطية، فتسبق يوم العيد أيام من الإعدادات والتجهيزات المتلازمة مع التقشف وتجهيز طعام اليوم على عجل، لأن كل الأفكار والأيادي منشغلة في تجهيزات العيد، وأما في ما يخص أكلات العيد فتتشابه أيضًا في بذخها وسمنتها كعادة بقية المطابخ، فتكون سفرة العيد عبارة عن إعادة تدوير للحوم في أشكال أُخرى تتبعها أنشطة عائلية مركزها الطعام كذلك، كخيط رفيع يصل ما تبقى من النسيج القبطي المهترئ، يجمعهم دائمًا ولا يفرقهم أبدًا يُحييهم بالماضي ولكن لا يضمن لهم المستقبل.
الفكرة من كتاب غذاء للقبطي: دروس من المطبخ القبطي
هنا ننظر بشيء من التفصيل إلى جزء مُهمل بعض الشيء من الشخصية المسيحية، ونتعرف تفاصيل تخص الطعام وأشياء أقل أهمية، فإذا كان الحديث عن التاريخ أو المجتمع المسيحي، قفز المطبخ في الحال إلى المقدمة ممثلًا للشخصية المسيحية وتاريخها، وذلك لأن المطبخ القبطي لا يتوقف عند المأكول والمشروب فقط، ولكنه يحمل أبعادًا أخرى وتراكمات خاصة بتاريخ المصري المسيحي، وطبيعة علاقته مع المجتمع المحيط به في مختلف أمزجته وحالاته.
مؤلف كتاب غذاء للقبطي: دروس من المطبخ القبطي
شارل عقل: كاتب مصري من مواليد الإسكندرية عام 1983 م، تخرج في قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، عمل كاتبًا حرًّا في مجلة “أمكنة” ومجلة “مجاز” ويقيم حاليًّا بالعاصمة الصينية بكين متفرغًا للدراسة والكتابة، من أشهر أعماله:
_ رواية أحمر لارنج.
_ سيناريو فيلم لمبة نيون.
_ الرواية المصورة: قنديل الجو.