الهوية الدينية
الهوية الدينية
نص الدستور المؤقت لدولة الاتحاد على جعل أبو ظبي عاصمة مؤقتة، حتى تُبنى عاصمة جديدة تسمى الكرامة على الحدود بين أبو ظبي ودبي، لكن الشيخ زايد رفض لأن تلك القضية بالنظر إلى التحديات الأخرى التي تواجه الدولة الوليدة تُعد قضية شكلية، إذ امتلكت الإمارات عديدًا من المدن التي احتوت على مقومات حضارية تؤهلها لتكون العاصمة المطلوبة، ورغم امتلاك البلاد لثروات النفط التي نقلت اقتصادها إلى منحنًى آخر رفض الشيخ زايد تبديدها في قضايا شكلية كقضية العاصمة الجديدة أو المطارات والموانئ التي لا تعمل ولا تدر، كما رفض الاعتماد على الثروات النفطية كمصدر وحيد للثروة، لأنه علم أن مصيرها النفاد فوضع خطة اقتصادية تعتمد على النفط كمصدر أولي ثم العلم كمصدر دائم ثم الزراعة ثم الصناعة.
ولعل أهم ما ميز الشيخ زايد هو تمسكه بمبادئ الإسلام، فكثيرة هي الدول التي نمت بعد فقر وازدهرت بعد تخلف، لكن القليل منها فقط استطاع الحفاظ على تقاليده ومبادئه، ولم يلهث خلف كل وميض يدَّعي أنه الحضارة، والتاريخ حافل بالنماذج التي قررت التخلي عن الدين ولم تعترف بأية قيم روحية، كالاتحاد السوفيتي الذي دعم الإلحاد المادي فتفتت من الداخل بعد أن نُظر إليه لقرون باعتباره قوة لا تُقهر، وكان الشيخ زايد يشجع كل مسلم أن يحمل على عاتقه مهمة نشر الوجه الصحيح للدين الإسلامي، ذلك الوجه الذي لا يعرف العنف والقسر وجعل الإسلام مقياس كل ما يقوله ويفعله،
كما رأى أن العرب وصلوا إلى ذروة مجدهم حينما نبذوا الجاهلية واعتنقوا الإسلام، وإذا أرادوا استعادة أمجادهم فعليهم أن يتحدوا ويرجعوا إلى الله، لأن البعد عن الله يورث الفوضى والانحلال، كما عُرف عنه عدم الاكتراث بالألفاظ التي يوسم بها البعض كالرجعية والليبرالية، ورآها مجرد وسيلة لتحقيق المصلحة وفرض الوصاية على الآخرين.
الفكرة من كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
طالما تمسكت الأمة بآمال القومية العربية وسعت في ذلك مساعي شتى، أصيبت على إثرها بخيبات أمل طاحنة كان آخرها سقوط الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، إلا أن الصحراء أخرجت من رجالها من اعتاد الزوابع والتقلبات فتحدى الواقع، ولم يمر عقد واحد بعد سقوط الوحدة المصرية السورية إلا وقد خطا أول خطوة حقيقية تجاه هدفه عام 1968م، حتى تم له الأمر عام 1971م وأعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن عبقرية الشيخ زايد لم تتوقف عند نجاحه في توحيد القبائل التي لم تَعتَدِ الخضوع لولي أمر، بل تبلورت عبقريته في الحفاظ على ذلك الاتحاد وتقويته دون سلب الحقوق، ومواكبة المستقبل دون التملص من التقاليد، والكثير من المتناقضات التي حققها وانفرد بها بين الحكام التقليديين.
ولعل معركة أكتوبر 1973م هي أول ما يفد إلى الذهن عند الحديث عن ذلك الرجل، إذ تجرأ بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تساند إسرائيل، وقال مقولته الشهيرة “ما دام الدم العربي يسيل في أرض المعركة، فليس النفط العربي أغلى من الدم العربي”.
على كلٍّ، يمكن القول إن كثيرين تمكنوا من صنع التاريخ، لكن الشيخ كان من القلائل الذين ألبسوه صبغة عربية وإسلامية، لذلك استغرق د. نبيل راغب ثلاث سنوات في كتابة هذا الكتاب، درس فيها الجوانب التاريخية والديمقراطية والاقتصادية والإنسانية التي مكنت هذا الرجل من وضع حجر الأساس لدولة ستصبح أهم وجهة اقتصادية للعالم في ما بعد مع تمسكها بهويتها الإسلامية.
مؤلف كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
نبيل راغب: (1940م – 2017م)كاتب وناقد ومترجم مصري، درس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة القاهرة ونال شهادة الدكتوراه من جامعتي القاهرة ولانكستر بإنجلترا، عمل مستشارًا لوزارة الثقافة في مصر وأستاذًا زائرًا بجامعة إكستير بإنجلترا، له عدة مؤلفات تنوعت بين الرواية والنقد والفكر والفلسفة منها:
أدباء القرن العشرين.
دليل الناقد الأدبي.
دليل الناقد الفني.