الهند الفرنسية.. نظيم النهب
الهند الفرنسية.. نظيم النهب
بعد تَملُّك البلاد كان لا بد من إيجاد طريقة لتثبيت أقدام الغزو والبدء في إنشاء مستعمرة تستهدف بقاءً طويلًا، فقد كانت العشوائية مستشرية في البلاد التي تركها المماليك متهالكة بالفعل، فلكي تحقق الاستفادة القصوى من المستعمرة يجب توفير الحد الأدنى من النظام الذي يسمح لمواطنيها بتكوين أموال تتيح لهم دفع الضرائب، وتتيح للفرنسيين استنزاف مواردها والوقوف على حجم ثرواتها الفعلية.
وكذلك إيجاد رابط مع هذا الشعب المحكوم يتيح للفرنسيين التواصل معهم والتحكم بهم إذا سمح الأمر، وعلى ذلك تم إنشاء الدواوين وتقسيمها على الأقاليم وربطها بديوان القاهرة، لم يكن لهذه الدواوين من أمرها شيئًا ولم يُتِح لها غير بعض المشورة وتوصيل رسائل التحذير والتهديد، وكان الديوان العمومي بالقاهرة يتألف من نخب الأقاليم، وكان بمنزلة مجلس شورى لنابليون يرى فيه الآراء والمعلومات التي لا يستطيع معرفتها من غير أهل البلاد والقرارات النهائية بيده على أي حال، لقد كانت هذه الدواوين بمنزلة عين ولسان للفرنسيين على المجتمع، يرون بها ما يريدون أن يعرفوا، ويبعثون الرسائل من خلاله وبالطبع اتُّهم أعضاء هذه الدواوين بالخيانة من الطرفين في أحداث عدة.
لقد كانت هناك مراجعات حديثة ترى في الأنظمة التي وضعها الفرنسيون شيئًا من التمدين، وأن هذه المظاهر والتقسيمات الحديثة لمصر كانت على أساس من تلك التي وضعها الفرنسيون، ولكن تناسى هؤلاء غاية هذا الاستعمار في النهاية.
كانت سياسة نابليون تحتوي دائمًا على نفاق مُبطن لمشاعر المصريين الدينية منذ خطابه لهم في بداية الحملة، كان يتعمد في كل المناسبات إظهار احترامه لدينهم وعاداتهم وليس في المناسبات الكبرى فقط، بل حتى موالد آل البيت واستطلاع هلال رمضان كان يحثهم على إقامتها، وبالفعل اختلط الأمر على المصريين لدرجة أنهم لم يعرفوا أهؤلاء الجند مسلمون حقًّا أم ما أمرهم؟ وقد أسلم مينو أحد كبار جنرالاتهم بالفعل وتزوج سيدة مسلمة من رشيد.
ولكن لم يُسالمهم المصريون أبدًا، فقد رأوا ما فعل هؤلاء الجنود في الإسكندرية فور امتلاكهم لها، وكانت تنكشف حقيقتهم للعيان دائمًا عند كل مواجهة لهم مع هؤلاء الجنود، ولكنه الدهاء والمداهنة وانتظار الفرصة المواتية.
الفكرة من كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
كانت مصر دائمًا حلمًا أوروبيًّا وتمثلت في أذهان الأوروبيين كطبق ذهبي يحمل جميع أحلامهم وحلول مشكلاتهم، ومنذ عهد الإسكندر أدرك الجميع أنه لا إمبراطورية على ضفاف المتوسط تريد السيطرة على الشرق دون مصر في قلب أقاليمها.
يُقدم الكاتب مراجعات مُهمة لآراء أصبحت ترى التقدم والتجربة الغربية هي الوحيدة، ويطرح وجهات نظر حديثة تُثبت بُطلان هذه الرؤى، وتُقدم الوجه الآخر الذي كان يتم التغاضي عنه دائمًا في سبيل “الحداثة والتنوير” القادمين مع أشياء أُخرى غير مهمة، حتى وإن كان الغزو والاستعمار.
مؤلف كتاب الحداثة والامبريالية: الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر
أحمد زكريا الشلق: من مواليد طنطا عام 1948م، حصل على الدكتوراه في الآداب فرع التاريخ الحديث والمعاصر بمرتبة الشرف الأولى بجامعة عين شمس، وقد حصل على العديد من الجوائز منها:
جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2010م.
جائزة الدولة للتفوق العلمي في العلوم الاجتماعية 2006م.
له الكثير من المؤلفات والدراسات التاريخية مثل:
رؤية في تحديث الفكر المصري.
العرب والدولة العثمانية.
إمبراليون ومستشرقون.