الهموم تمنع العلوم
الهموم تمنع العلوم
فلاح طالب العلم مرهون بمدى استطاعته على تقليص هموم الدنيا في قلبه؛ لذلك قال الماوردي في أدب الدين والدنيا: “الهموم تمنع العلوم”، وحين سئل أبو حنيفة: بم يُستعان على حفظ الفقه؟ أجاب: بجمع الهم، وهذا لما لفراغ القلب واجتماع الهم من أثر بالغ في تجويد التحصيل، وقد استحب السلف التغرب عن الأهل والبعد عن الوطن لأن الفكرة إذا توزَّعت قصرت عن إدراك الحقائق وغروض الدقائق، بل أشد من ذلك رُوي عن الشافعي أنه قال: “لو كلفت شراء بصلة ما فهمت مسألة”، إذًا جمع العلم هو الخلاص لطالب العلم من مطرقة تشعُّب العلم وسندان الأحداث المحيطة، وهو الشرط الذي بتخلُّفه تنحلُّ عرى التحصيل العلمي، ومن أشد موانع الهم من الانجماع والعلم من الاجتماع، تقطُّع التحصيل وتعثُّره، فالعلم يحتاج من طالبه مواظبة ليرتاض به، بذلك ينجمع علمه ويثبت علمه فإن إهمال ساعة يفسد رياضة سنة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يجمع طالب العلم همه؟ حتى يجمع طالب العلم همه لا بد أن يبدأ بالتركيز على الإنجاز اليومي، بقطع النظر عن نهايات المشاريع، حتى يرتاض بذلك ويكون مؤهلًا من بعد على إدارة مشاريعه العلمية الكبرى، فالتمهيد لابن عبد البر، وفتح الباري لابن حجر، على سبيل المثال، وغيرها من المنجزات العلمية في المكتبات الإسلامية، لم تكن وليدة شهر ولا سنة ولكنها كانت خلاصة عمر، وتعاقبًا منتظمًا لمنجزات الأيام.
ومن الأمور التي ينبغي أن يراعيها أيضًا طالب العلم، أن يحرص على تحقيق قفزة معرفية في أحد مجالات العلم ذات مبدأ ومنتهى ليحقق بها منجزًا، أيًّا ما كانت تلك القفزة، قراءةً أو حفظًا أو تأليفًا أو تعليمًا، على أن يركز طالب العلم أن تكون كل قفزة محدودة المصادر فلا يشتِّت نفسه بكثرة منافذ المطالعة، وأن يخلِّص نفسه من مكدِّرات العصر، كوسائل التواصل الاجتماعي، وأن يحرص على ما ينفعه.
الفكرة من كتاب ارتياض العلوم
إن سعة الاطلاع وامتلاك المصادر، والاستكثار من المعلومات مطلب لبلوغ مدارج العلماء، إلا أنه وحده لا يكفي طالب العلم للرسوخ في العلم والارتياض به، بل هو مرهون قبل ذلك بسداد بصيرة الطالب، وامتلاك المواهب والاتكاء عليها لتحقيق العلم وحسن التصرف فيه، فكيف يرتاض الطالب العلوم؟ من هنا جاء هذا الكتاب المبدع، وقد صنَّفه الكاتب بطرق غير مألوفة في سائر المؤلفات، ناقلًا كلام الأئمة الكبار، بعيدًا عن الإغراق في رسوم الخطط ومباني البرامج ليمهِّد الطريق أمام طلاب العلم، فبالارتياض يسهل منه ما استصعب ويقرب منه ما بعد، فإن للرياضة جراءة وللدُّربة تأثيرًا.
مؤلف كتاب ارتياض العلوم
مشاري بن سعد الشثري: ولد في الرياض عام 1989، وهو كاتب وباحث في مركز البحوث والدراسات التابع لمجلة البيان، له عدة مقالات منشورة وغير منشورة، وله عدة مؤلفات منها: “عبقرية الإمام الشافعي المدد والمداد”، و”غمرات الأصول المهام والعلائق في علم أصول الفقه”، و”الموازنة بين المختصرات الأصولية”، و”صناعة التفكير الفقهي”.