الهروب الأنيق من الواقع
الهروب الأنيق من الواقع
لا شيء أصدق في الاقتصاد الرأسمالي من تعاقب الدورات الاقتصادية وما يتبعها من ظواهر اقتصادية متعاقبة أيضًا، فالانكماش والازدهار يقترنان دائمًا بالبطالة والتضخم، ويعد المصرف الاحتياطي الفدرالي هو من تقع عليه مسؤولية مواجهة تلك الاختلالات الاقتصادية، أو هكذا يُظن عبر لعبته المفضلة ألا وهي أسعار الفائدة، فعندما تدخل البلاد نفق الركود الاقتصادي بسبب انخفاض الطلب العام تبدأ مؤشرات البطالة في الارتفاع، وهنا يتدخل الاحتياطي الفدرالي بتخفيض أسعار الفائدة ما يعقبه انخفاض تكلفة الاقتراض بالنسبة إلى الشركات فتسارع إلى التوسع والإنتاج عبر الاقتراض من البنوك، ما يزيد الطلب على العمالة فينمو الاقتصاد مرة أخرى، أي يخرج الاقتصاد من نفق الركود والبطالة والعكس يحدث في حالة الازدهار الذي عادةً ما يقترن بضغوط تضخمية.
وتعد هذه الآلية هي أكثر أشكال الاحتيال براءةً، فالحقيقة أن فاعلية “سعر الفائدة” ليست كما يُظن، فالمستثمر لا يهتم كثيرًا بتكلفة الاقتراض قدر تطلُّعه إلى إمكانية تحقيق الربح في المستقبل، فحتى لو وصلت أسعار الفائدة إلى الصفر فلن يقدم على تحمل مخاطرة مشروع لا يتوقع أن يدر عليه قدرًا من الربح، ففي أثناء الكساد الكبير ورغم انخفاض معدلات الفائدة وانخفاض الأجور استمر الكساد عقدًا من الزمان بسبب ضبابية المشهد وسيادة مبدأ عدم التأكد في ظل مخاطر مرتفعة و مناخ متقلب.
ورغم أن الواقع يشهد لفاعلية آلية الربح المتوقع كبديل عن آلية سعر الفائدة، فإننا لا ننكر أن سمعة الاحتياطي الفدرالي التي اكتسبها كانت أهم العوامل التي رسخت مثل هذا الاحتيال البريء، وبخاصةٍ لو كان على رأس تلك المنظمة شخصية مرموقة بحجم آلان جرينسبان.
الفكرة من كتاب اقتصاد الاحتيال البريء
يلقي الكتاب الذي بين أيدينا الضوء على الأدوار الخفية التي تمارسها الشركات الكبرى في ميداني الاقتصاد والسياسة معًا، موضحًا أساليب الاحتيال التي يجري اتباعها في تشكيل الواقع الاقتصادي والسياسي، بل وحتى الاجتماعي، مشيرًا في الوقت ذاته إلى جدلية العلاقة بين القطاعين العام والخاص في الاقتصاد الرأسمالي المعاصر.
مؤلف كتاب اقتصاد الاحتيال البريء
جون كنث جالبريث: خبير اقتصاد كندي من أصل أمريكي، ولد في الـ15 من أكتوبر 1908 وتوفي في الـ29 من أبريل 2006، كان اقتصاديًّا ومؤسساتيًّا، وأحد أبرز مؤيدي الليبرالية الأمريكية في القرن العشرين، حصل على الدكتوراه وعمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة هارفارد لعدة سنوات، وخدم في العديد من إدارات الرؤساء الأمريكيين، وكان سفير الولايات المتحدة لدى الهند، كما حصل على وسام الاستحقاق الكندي، وعلى وسام الحرية في عام 1946، ووسام الحرية الرئاسي في عام 2000، وذلك تقديرًا لخدماته في الاقتصاد.
كان جالبريث غزير الإنتاج؛ بما يزيد على أربعين كتابًا من ألف مقال في موضوعاتٍ مختلفةٍ، ومن بين أعماله المشهورة الثلاثية الشهيرة عن الاقتصاد المتمثلة في:
· الرأسمالية الأمريكية.
· مجتمع الوفرة.
· الدولة الصناعية الجديدة.