الهروب إلى الحرية
الهروب إلى الحرية
من منا يسمع عن ماوكلي أو طرزان ولا يشعر بنشوة الحرية، ويتمنى لو باستطاعته التحليق بعيدًا عن السرب؟! لكن هل من الممكن حقًّا أن نعيش بعيدًا عن مجتمعنا؟ ومنذ متى ونحن نولي للناس أهمية؟ وما الذي يمنحنا الناسُ إياه؟
لو تأملنا في المراحل العمرية للإنسان لوجدنا أن الأطفال أكثر من يخرقون القواعد ويفسدون الأنظمة ويدمرون الأعراف الاجتماعية ولا يعبؤون بآراء الناس، لأنهم عاجزون عن إدراك مفهوم الزمان والمعايير والتحكم والشواغل، فهم يرون العالم بنظرة تختلف عن الكبار، لكن بمرور الوقت وتطور معرفتهم وفور بلوغهم سن المراهقة، نراهم يولون أهمية كبرى لنظرة الآخرين إليهم وكيفية تعاملهم معهم، لكنهم سرعان ما يدركون أنه ليس لديهم يدٌ تجاه ما يعتقده الناس عنهم وأنهم لا يستطيعون التحكم فيهم، لذا نُمني أنفسنا الأماني بالرجوع مرة أخرى إلى الطفولة، أو الهروب كليًّا من هذا العالم!
لكننا كائنات اجتماعية بامتياز، لا يمكن أن نتحرر من مجتمع إلا ونجد أنفسنا عالقين بغيره، فنحن لا نستطيع الانفكاك عن هويتنا، ولا نستطيع التحليق كالطيور، ولو افترضنا أننا تمكنا من الانعزال والتحرر فسنتحول إلى وحوشٍ عاجزةٍ غير قادرة على تمييز غرائزها ولا التفكير، أي سنتحول إلى كائنات ذات عقول معطلة بلا فائدة.
لذا فنحن نولي أهمية كبيرة لأحكام الآخرين، وكلما حاولنا التقليل من سطوة الناس علينا، زاد هذا الوضع تفاقمًا، فكل ما نحاول الوصول إليه هو استجلاب آراءٍ إيجابية عنا، لكن هل نهتم بحكم كل من هبَّ ودبَّ؟
إنَّنا في الحقيقة لا نولي أهمية إلا لأحكام الآخرين المؤثرين، فسرعان ما نفقد الاهتمام بأحكام الجماهير المضمونة، ولا نبتهج بالأحكام الإيجابية إلا إذا كان احتمال تعرضنا للأحكام السلبية موجودًا، أي أن تَوجيه الثناء الممزوج ببعض الانتقاد يُعد وسيلةً غير مباشرة لاجتذاب شخصٍ إلى علاقة.
الفكرة من كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
هل سبق أن تعرضت لحكم مجحفٍ فاستشطت غيظًا وضيقًا، وشعرت بالحرج أو الذنب أو العار؟ وهل انتابتك حالة من الاضطراب والرغبة في الاختفاء؟ وهل تشعر أن هذا يمس سمعتك وشرفك؟ ومن ثم تتساءل مليًّا عما إذا كان من الممكن التواصل مع أحدهم فيراك على حقيقتك، لا على ما يريد هو أن يراه؟ ثم تُعمِل عقلك قليلًا وتتأمل في ماهية الحكم، ومن أين نستمد معاييرنا للحكم على الأشياء بالصواب والخطأ؟
نحن نسمع ترانيم الصباح وصوت زقزقة العصفور، فنتمنى لو استطعنا الانفكاك والهروب والتحليق كالعصافير والطيور، فهل هذا ممكن؟ ما الذي نبحث عنه؟ وما جدوى كل هذا؟
يحاول الكاتب الإجابة عن تداعيات تلك الأفكار، تاركًا لك مساحةً من التأمل والاستبيان، منطلقًا من أننا جميعًا حيوانات اجتماعية، لن ننفك ولو للحظةٍ عن إصدار وتلقي الأحكام -كما فعلت بالضبط فور رؤيتك لعنوان الكتاب- فنخوض في مشاعر الألم الاجتماعي، وسبب شعورنا بها، والسمات الأساسية للأحكام الاجتماعية، ومدى إمكانية الانفكاك عن المجتمع وعيش عيشةٍ هانئةٍ مستقلة، وأخيرًا، هل نجيد الإصغاء حقًّا؟ وهل يمكن لنا أن نروي قصصنا كما هي؟
مؤلف كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
زياد مرار: كاتب ومؤلف، ولد عام 1966م في العراق، وفي العاشرة من عمره انتقل إلى لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس في جامعة إكستر، كما أنهى درجة الماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية بيركبيك، ويشغل منصب رئيس النشر في مؤسسة “سيدج”، وله كتب عدة تجمع بين اهتمامه بعلم النفس والفلسفة من بينها:
Deception.
The Happiness Paradox.
Intimacy: Understanding the Subtle Power of Human Connection.
معلومات عن المترجم:
أحمد سمير درويش: تخرج عام 2014م في كلية الهندسة جامعة السويس، لكنه سرعان ما اكتشف شغفه بالترجمة، فعمل مترجمًا حرًّا لدى بعض المؤسسات، ويعمل حاليًّا لدى مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول، وترجم عديدًا من الكتب، مثل:
الثقوب السوداء.
رجال عدالة قرطبة.
وسط أجراس الخطر.