النهوض الداخلي وابن خلدون
النهوض الداخلي وابن خلدون
وهناك أطروحة أخرى تدعي أن ما حدث من نهضة وحركة في الساحة العربية والإسلامية لم يكن نتيجة للحملة الفرنسية أو ظهور جمال الدين الأفغاني، بل نتيجة نهوض داخلي خالص من وعي وإدراك المسلمين بلحظتهم التاريخية ومكانتهم المتأخرة، وامتدت فترتها ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، وتعددت بقع تأثيرها، فكانت في الحجاز عبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي حارب الفتن والخرافات الدينية المسيطرة على العامة.
وكانت أيضًا في مصر عبر مجهودات العالم الفقيه الجبرتي الكبير، بالإضافة إلى عبد القادر البغدادي والمرتضى الزبيدي والشوكاني محمد الزيدي في مختلف ربوع العالم الإسلامي من المغرب إلى الشام، ولم تقتصر بوادر النهضة في المجال الفكري فقط، بل امتدت إلى الاقتصاد فقد شهدت الحركة التجارية نموًّا وازدهارًا ملحوظين، ورغم كل تلك الجهود الكبيرة والخالصة لوجه الله، فقد افتقرت إلى التواصل والتكامل لكي تقدر على الاستمرار في قطف ثمارها على المدى البعيد.
وسرعان ما جاءت الحملة الفرنسية لتقضي على بوادر النهضة، مطاوعة لعيون المستشرقين الذين نجحوا في رصد مظاهر الحركة الخطرة، وأقنعوا نابليون وقادته بوجوب الغزو، واجتماع المصالح الاقتصادية مع الاستشراق قوَّى من رأيهم.
أما البعض الآخر فذهب إلى أن بداية عصر النهضة كانت مع ابن خلدون في القرن الرابع عشر، وأن إسهاماته بشكل عام ومقدمته بشكل خاص هي ما أنتجت الحركة الفكرية الحديثة، إذ اعتمد عليها الكثير من المفكرين، وعاملوها كحجر أساس لدراساتهم.
الفكرة من كتاب عصر النهضة: كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟
عندما نسمع مصطلح عصر النهضة، ما أول شيء يقفز إلى أذهاننا؟ أراهن أننا نتخيل الفترة التي امتدت ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر في أوروبا، يرجع هذا إلى عوامل كثيرة منها سطوة الفكر الغربي على الحياة الفكرية المعاصرة، بالإضافة إلى جهلنا بالجذور الفكرية لأمتنا.
إذ إننا نمتلك أيضًا عصرًا للنهضة، حاول فيه علماء ومفكرون أجلاء بعثَ الأمة الإسلامية والعربية من مرقدها، وتنوعت إسهاماتهم في مختلف المجالات الفكرية والدعوية والاجتماعية والسياسية، فما ملامح تلك الفترة الزمنية؟ متى بدأت؟ وأين انتهت؟ ولماذا؟ ومن الذين أخذوا على عواتقهم مسؤولية محاربة الجهل والخرافات المسيطرة وقتها؟ وهل ما زالت لتلك الفترة آثار في عالمنا المعاصر؟
مؤلف كتاب عصر النهضة: كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟
زكي ميلاد، كاتب وباحث ومؤلف سعودي الجنسية، ولد في القطيف عام 1965م، اهتم بالفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتأليفًا، وهو عضو في العديد من الهيئات الاستشارية الفكرية والمؤسسات المختلفة، كما أنه رأس تحرير مجلة الكلمة المهتمة بشؤون الفكر الإسلامي ببيروت، له العديد من المؤلفات، كتبًا وتراجم ورسائل منها:
محنة المثقف الديني مع العصر.
المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟
كما أنه نشر مئات المقالات في العشرات من المنابر الإعلامية في مختلف عواصم العالم العربي.