النهاية
النهاية
“لقد كنت أعرف دائمًا أن كل إنسان لا بد أن يموت ولكني كنت آمل دائمًا أن يحدث استثناء في حالتي”، هكذا كتب وليام سارويان في مذكراته، وهكذا كان حال جلال أمين وحال الجميع، يعلم الإنسان يقينًا ما ينتهي إليه لكن يغلب عليه الأمل.
عندما نظر جلال أمين إلى حياته من البداية للنهاية وجدها مليئة بخيبات الأمل، وجد نفس خيبة الأمل في أبيه عندما كان لا يستطيع فعل أبسط الأشياء عند تقدُّمه في العمر، وعندما كان ينتظر من يسأل عن حاله أو يؤنسه في وحدته عقب ما كان فيه من الشهرة والانشغال الدائم قبل ذلك، وجد نفس خيبة الأمل في أمه التي غلب عليها الإهمال الواضح في صحتها عقب وفاة أبيه لكونها لم تعد ترى أن لها مهمة واضحة في الحياة، وجد نفس خيبة الأمل في وجوه تلاميذه التي كان يغلب عليها القلق والخوف من المستقبل.
عندما يتقدَّم المرء في العمر يفقد الثقة في كثير مما كان يبعث على السعادة من قبل، تقل أهمية آراء الآخرين فيه، يتخلَّص إلى الأبد من الشعور بالغيرة والمنافسة، يفقد الرغبة في كل شيء، يرى الأحداث اليومية تبعث على الملل من عدد مرات تكرارها أثناء حياته، يجد المرء نفسه عامًا بعد عام يفقد أخًا أو صديقًا.
اتضح لجلال أمين أن كثيرًا من القرارات التي كان المرء يعطي لها أهمية ويحيِّر في الاختيار بينها لم تكن تستحق هذا القدر من الاهتمام والحيرة، كما اتضح له نظرته المفرطة في التفاؤل في شبابه حول إمكانية الوصول إلى حقائق الأشياء كما كان يزعم حيث بدا له الأمر مع التقدُّم في العمر مستحيلًا أو يصعب تحقيقه، فما أكثر الكتب التي قرأها تعطي مجرد معلومات أكثر من كونها تعطي فهمًا أو تجيب على أحد الأسئلة الرئيسة، فما أكثر مما يسع المرء الجهل به.
وكما يقول جورج أورويل إن الكتاب الجيد هو الذي يقول لك ما كنت تعرفه من قبل، ولعلَّه يقصد أن أفضل الأفكار هي الأفكار البسيطة السهلة، ومن ثمَّ ليس عجيبًا أن تطرأ على نفوس الكثير فيأتي الكتاب فقط لتأكيدها وتوصيفها.
لكن رغم جميع هذه الخيبات فإن جلال أمين لم يكن أقل سعادة أو رضا عما كان عليه من قبل، فكثير مما يبعث على السرور ما زال موجودًا، وما أكثر الأحداث السارة التي مرَّ بها حياته ولم يخطر بباله قط أن تحدث له، وما أكثر خيبات الأمل التي كانت تحمل في فحواها الخير الكثير.
الفكرة من كتاب ماذا علمتني الحياة؟
لا يحتاج كاتب السيرة الذاتية أن يكون شخصًا عظيمًا أو كاتبًا مرموقًا، فكل شخص لديه في مسيرة حياته ما يستحق أن يُروى، فالتمثال الجميل يكمن داخل كل قطعةٍ من الحجارة حتى ولو بدت في الظاهر مجرد قطعة حجارة عادية.
نسير معًا في رحلة مع الكاتب يتحدَّث فيها عن حياته لمحاولة اكتشاف هذا التمثال الجميل بين التفاصيل.
مؤلف كتاب ماذا علمتني الحياة؟
جلال أمين: سياسي واقتصادي مشهور وُلِد عام 1935م، تتميَّز حياته بكثرة الأحداث التي عاصرها والمراحل التي مرَّ بها، تخرَّج في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم سافر إلى لندن لتحضير الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد، مرَّت حياته العملية معظمها في وظيفة التدريس بالجامعة.
له عدة مؤلفات منها: “كتاب ماذا حدث للمصريين؟”، و”خرافة التقدُّم والتخلُّف”.