النكوص (الرجوع إلى الخلف)
النكوص (الرجوع إلى الخلف)
تصنف بعض الأمراض النفسية على أنها رجوع إلى الخلف (نكوص Regression)، وهي حالة نفسية يصاب بها الشخص نتيجة تعرضه للصدمات النفسية الشديدة، فيقرر عقله الرجوع إلى آخر مرحلة عمرية كان يشعر فيها بالأمان، فعندما يعود عقل المريض إلى مرحلة الجنين (بحياته ووضعه وسلوكه)، أو إلى مرحلة الطفولة (الشهور الأولى بعد الولادة)، ويبدأ في الهلوسة والتحدث إلى أشخاص خياليين، كما يفعل الطفل الصغير في غياب أمه، تسمى هذه الحالة “الفصام Schizophrenia”.
وفي الحالات الأشد خطورة عندما يعجز العقل عن الهروب إلى آخر مرحلة عمرية كان يشعر فيها بالأمان، يقرر الانفصال عن العالم، ويفقد السيطرة على العضلات والأعصاب فيصاب الشخص بالتبول والتشنجات اللا إرادية، ويؤدي هذا إلى مرض نفسي يسمى “الكتاتونيا Catatonia” أي التحول إلى جثة.
الآن أسألك سؤالًا: هل حلمت مسبقًا بأنك تعوم في البحر أو أنك محبوس داخل مكان مغلق مملوء بالماء؟ هل حكى لك أحدهم أنه يحلم باستمرار بنهاية العالم؟ هل تفضل النوم في وضع الجنين؟
كل هذا له نفس التفسير، فعلى مستوى ما من مستويات العقل يتم تخزين الذكريات الخاصة بفترة وجود الجنين في رحم الأم في ما يعرف باسم “الذاكرة الخلوية”، وفي هذا المكان يتم تخزين كل المشاعر والأحاسيس والرسائل النفسية التي وصلت إلى الجنين عن طريق الأم، وكلنا بشكل واعٍ أو غير واعٍ نشتاق إلى هذه المرحلة من عمرنا، حيث المتعة والهدوء والدفء والرفاهية، وتعتبر الولادة بمنزلة النهاية لكل هذه المتع، لهذا نحلم بمثل هذه الأحلام، بل ذهب البعض إلى تفسير حلم الموت المتكرر بأنه انعكاس لرغباتنا غير الواعية للرجوع إلى رحم الأم.
الفكرة من كتاب علاقات خطرة
الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، فهو في حاجة دائمة إلى التواصل وتكوين علاقات مختلفة مع أفراد المجتمع، يمكن أن تكون هذه العلاقات أحد أهم الأسباب للسعادة والراحة النفسية والجسدية، ويمكن أن تكون سببًا في الذبول الروحي والشيخوخة المبكرة.
إذًا، يعتبر تكوين العلاقات الإنسانية العملية الأخطر والأصعب على الإطلاق، لأنها قد تحلق بنا في أعالي السماء، أو تهبط بنا إلى الأرض، لذا، من المهم أن نتعرف أشكال العلاقات المؤذية التي تشوهنا، لكي نتجنبها، ونسعى للبحث عن العلاقات الصحية التي ستسمو بأرواحنا، وتُعيننا على تقبل مشقات الحياة.
ولكن، قبل أن نتعرف على أنواع العلاقات وأشكالها، يأخذنا الكاتب في جولة في أعماق النفس البشرية، لنكتشف أن أول علاقة يكونها الإنسان في حياته هي علاقته بنفسه وبجسده، وبفهمنا لطبيعتنا النفسية يتحقق فهمنا لطبيعة مشاعرنا تجاه الآخرين، وكيف أن الاضطراب في هذه المشاعر قد يؤدي إلى نكوصنا في تاريخنا النفسي إلى الخلف، بحثًا عن لحظات الأمان والحب.
لندرك بعد ذلك أن الشفاء يكمن في تقبل النفس بضعفها واحتياجاتها، وفي شجاعة الخروج من الصناديق التي سُجنت فيها عقولنا من قبل المجتمع والعُرف والعادات والتقاليد، لنكون أنفسنا التي نريد وليست التي أُجبرنا على أن نكونها، ونترك أثرنا، وعندها فقط سنتمكن من العثور على العلاقة الصحية التي هي إكسير الحياة.
مؤلف كتاب علاقات خطرة
محمد طه: هو كاتب واستشاري طب نفسي مصري، نشأ في مغاغة بمحافظة المنيا، تخرج في كلية طب المنيا تخصص الطب النفسي، ثم حصل على الدكتوراه من إنجلترا في تخصص الطب النفسي.
عمل على تحضير ورقة بحثية في تحليل المجتمع المصري من خلال الشعارات المكتوبة على الميكروباصات والتكاتك، ونُشر أول كتاب له عام 2016 تحت عنوان “الخروج عن النص”، ونُشرت له لاحقًا ثلاثة مؤلفات أخرى وهي: “علاقات خطرة” و”لأ بطعم الفلامنكو” و”ذكر شرقي منقرض”.