النقل عن الغرب
النقل عن الغرب
جاء محمد علي إلى مصر ضابطًا صغيرًا من ضباط الحملة التركية الإنجليزية التي أتت سنة 1801 ميلاديًّا لإخراج الفرنسيين من مصر، واشترك في معارك كثيرة مع جيوش كثيرة تنافس كلٌّ منها الأخرى للاستيلاء على مصر، لما تتمتَّع به مصر من مميزات كثيرة، ولما خرح الفرنسيون منها، واستقرَّ محمد على فيها ضابطًا من ضباط الفرقة الألبانية، وظل يراقب الصراع الجديد بين المماليك والأتراك والإنجليز، وتأكَّد أن القوات كلها تناضل من أجل الفوز فقط، دون أن تهتم بالبلد نفسها أو شعبها، فلما انتهت هذه المعركة الثلاثية بخروج الإنجليز من مصر، ثم بضعف المماليك والأتراك، ظهر محمد علي بجانب الشعب، ورأوا فيه رجل الحرب الزعيم النبيل، وعزلوا الباشا العثماني، وعيَّنوه واليًا عليهم.
ومنذ ذلك الحين بدأ محمد علي في وضع الخطط للإصلاحات المختلفة التي تُعدُّ إلى حدٍّ ما استمرارًا لما بدأه الفرنسيون في مصر، فهو منذ اللقاء الأول آمن بأن الإصلاح يكون بالنقل عن الغرب، ولكن في الوقت نفسه لم يأخذ عن الغرب كل شيء، وقد تولَّى محمد علي عرش مصر وكان العلم كله مقتصرًا على الأزهر الشريف والمساجد، لكن رأى محمد علي وأستاذه الشيخ العطار أن البلاد لا بد أن تتغيَّر أحوالها، وتتجدَّد فيها المعارف، فبدأ محمد علي في إنشاء المدارس الجديدة، لكن اختار تلاميذها ومعلميها من الأزهر، فاحتفظت هذه المدارس بالطابع الإسلامي الشرقي، وأصبح محمد علي في نظر المصريين مجدِّدًا لدروس العلم.
وعند تولِّي محمد علي الولاية كان الجيش في مصر خليطًا عجيبًا من المماليك والألبان والشراكسة، وبما أنه كان يرغب في الأساس في إحياء العالم العثماني، فقد رأى أنه لا بد من تكوين جيش وأسطول عظيمين، وأخيرًا احتاج محمد علي إلى موظفين إداريين يعرفون كل نواحي الإصلاح الغربي المراد اقتباسه، فلم يجد إلا الأجانب لتعيينهم، وكان لا يثق بهم كثيرًا، لأنه يرى أنهم يعملون لمصلحتهم الذاتية قبل أن يعملوا لمصلحة الدولة، إضافةً إلى مرتَّباتهم الهائلة، وأخذ يفكر في كيفية الاستغناء عنهم، وإحلال المصريين مكانهم، فأنشأ المدارس المختلفة لتعليم أبناء البلد تعليمًا منظمًا، ورغم ذلك لم يحاول أبدًا أن ينقل مصر إلى الغرب، بل احتفظ لها بروحها وتقاليدها.
الفكرة من كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
لعبَت الترجمة دورًا مهمًّا في بناء الدولة المصرية الحديثة؛ إذ أدرك “محمد علي باشا” أنه لا يمكن النهوضُ بالدولة دون التعرُّف على مُنجَزات الحضارات الأخرى، والاستفادةِ مما أحرزَته في مضمار التقدُّم والرُّقي؛ لذا اهتمَّ «محمد علي باشا» بالترجمة، واعتبرها ركيزةً أساسيةً لبناء دولته، ومن خلال صفحات هذا الكتاب ستتعرَّف إلى أي الدول الأوروبية اتجه محمد علي عند النقل؟ ومتى بدأ سياسته الإصلاحية، وما أغراض بعثاته العلمية؟ كما ستجد أيضًا تتبُّعًا تفصيليًّا لحركة الترجمة في هذا العصر، بدايةً من إعداد المترجمين، وانتهاءً بمرحلة الطباعة والنشر.
مؤلف كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
جمال الدين الشيال: مؤرخ مصري، ورائدٌ مِن روَّادِ الدراساتِ التاريخية، وعَلَمٌ من أَعْلامِ الفِكرِ العربي، حصل على الدكتوراه في التاريخ من كلية الآداب، وعُيِّن أستاذًا للتاريخ الإسلامي المساعد بجامعة فاروق الأول، وترَكَ لنا الشيالُ العديدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ والأبحاثِ والدراساتِ المهمَّة، مِنْها:
تاريخ دمياط.
تاريخ الإسكندرية في العصر الإسلامي.
مجموعة الوثائق الفاطمية.
مصر والشام.