النفس والدماغ
النفس والدماغ
ذهب بعض مفكري اليونان إلى أن النفس نوع من الماء، وقال آخرون إنها شعلة داخلية، وتصورها آخرون بأنها حركة، فقال أفلاطون إن لأفكار الإنسان تأثيرًا في سلوكه، ولكنه رأى أن هذه الأفكار تقيم في الجسم في أثناء الحياة وتتركه عند الموت، ومن ثمَّ فإن هذه الأفكار لها وجود مستقل عن الإنسان، أما أرسطو فقد قال إن النفس هي مجموع الوظائف الحيوية للكائن الحي، وهذا ما يميزه عن الجماد، ومن ثمَّ تكون الظواهر النفسية عبارة عن عمليات جسدية، وأوضح ذلك بقوله “إن الروح لا تنفصل عن الجسد”، وبالنسبة إلى فلاسفة الإسلام،
فقد ذهب ابن سينا إلى إثبات وجود النفس كونها جوهرًا روحانيًّا مغايرًا للبدن لا يفنى بفنائه، فالنفس جوهر قائم بذاته مستقل عن البدن ومغاير له، ومن ثمَّ فإن النفس تتميز عن الجسد بأنها خالدة وذات روحانية تتميَّز بالإدراك الحسي، ثم ظهرت المدرسة الترابطية في إنجلترا على يد جون لوك وهربرت، وكان لهذه المدرسة أثرها في توجيه الدراسات النفسية في القرن الماضي، إذ قالت إن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء تنقش عليها الخبرات الحسية متى تريد.
أما بالنسبة إلى الدماغ فقد رأى الفيلسوف الإغريقي أبقراط أن الدماغ هو مقر الوعي وسيد الأعضاء، فالعين والأذن وسائر أعضاء الجسم تعمل بأمره، لكن العديد ممن جاؤوا بعده لم يوافقوه في ذلك، ومن ثمَّ أهمل الإنسان دماغه، كأرسطو الذي جرَّد الدماغ من وظائفه، وأحل محلّه القلب مركزًا للفكر، ومن ثمَّ أصبح الدماغ جهازًا لتبريد الدم، ومن هنا سيطر القلب على كل شيء، وأحس الإنسان بالقلب الخافق في صدره وأيقن أن سكوته يعني الموت، ومن هنا كان القلب رمزًا للحياة، ثم جاء جالينوس بنظرية أن الدماغ هو مركز الذكاء والحس، وأثبت أن الدماغ مصدر الأعصاب الحسية والحركية إلى الأطراف، وقبل أن يهتدي الإنسان إلى دماغه مرة أخرى كان يستند إلى بعض الصفات كالفكر والمخيلة والخاطر،
أما العقل فكان يوصف به الإنسان ذو الشخصية السوية والمتعقل للأمور والمتوازن بين الفكر والعاطفة، ولم يؤخذ بعظمة الدماغ حتى القرن العشرين، حيث بدأ الإنسان يهتم بحجم الجمجمة ويقيسها ليحدد مواهبه وشخصيته، وبناءً على ذلك فإن الصراع بين القلب والدماغ دام طويلًا، لكن أعظم اكتشاف في مجال الدماغ كان يقين العلماء أن الطفل يولد بدماغ منفتح باستثناء القدرات الفطرية التي تولد معه.
الفكرة من كتاب الهندسة النفسية: في إدارة الجسد وتشكيل الشخصية
يُبين الكاتب أن البشر على مدار التاريخ تجنبوا أن يربطوا بقاءهم بأسلوب حياة معين ومحدد، فلا يوجد سلوك خاص يشترك فيه الجميع، وذلك بفضل الدماغ الإنساني الذي يجعل الإنسان يتكيف مع المتغيرات الطارئة، إضافة إلى أن المهارات والصفات التي ترسم معالم شخصية الفرد هي مميزات إنسانية تظهر من خلال الاختلاط والتعايش والتعلم من الآخرين،
واستعرض أيضًا نظرة الفلاسفة إلى النفس البشرية، وتطرق إلى وظائف خلايا الجسم البشري، وأوضح الأنماط والنظريات الخاصة بالشخصية، ووظائف اللغة البشرية، وعلم الفراسة والانفعالات، ومن خلال ذلك وصل إلى أن الإنسان وحدة تجمع بين الجسد والنفس ولكل طرف قوته الفاعلة والمؤثرة في الطرف الآخر والمكملة له.
مؤلف كتاب الهندسة النفسية: في إدارة الجسد وتشكيل الشخصية
أنس شكشك: هو كاتب ومؤلف، وأستاذ محاضر في كلية التربية بجامعة حلب بسوريا، ومن مؤلفاته:
العلاج السلوكي بالبرمجة اللغوية العصبية.
فلسفة الحياة.
الأمراض النفسية والعلاج النفسي.
الذكاء أنواعه واختباراته.