النظرية السياسية الرابعة
النظرية السياسية الرابعة
خلال القرن العشرين تنافست ثلاث نظريات سياسية فيما بينها؛ النظرية الأولى (الليبرالية)، والنظرية الثانية (الشيوعية الماركسية والاشتراكية الثورية)، والنظرية الثالثة (الفاشية أو الاشتراكية القومية)، وقد حاربت الليبرالية باستمرار ضد أعدائها السياسيين الذين قدَّموا أنظمة بديلة، وبحلول نهاية القرن العشرين هزمتهم جميعًا، وأطلق عليها نهاية التاريخ، وأن السياسة الليبرالية ستصبح عالمية ليبرالية، إلا إن الليبرالية لم تكتفِ بهزيمة خصومها، بل قامت أيضًا باتخاذ قرار بإلغاء السياسة تمامًا بعد انتصارها، بعد غياب أي منافسين لها، وهذا لمنع ظهور أي بدائل سياسية، ولضمان حكمها الأبدي، وفعلت الليبرالية كل ما هو ممكن لضمان انهيار السياسة، وذلك من خلال انتقالها من مستوى الأفكار إلى مستوى الواقع، واختراقها جسد النسيج الاجتماعي الذي أصبح مليئًا بالليبرالية، فأصبحت الليبرالية تقدَّم كعملية طبيعية وعضوية، وليس كنظرية سياسية، فتحوَّلت الليبرالية إلى نمط حياة تقوم على ثلاثة أشياء، هي: الاستهلاكية، والفردية، ومظهر ما بعد الحداثة، فأصبحت السياسة في عصر الليبرالية هي السياسة الحيوية (التي تنظم الحياة المادية والبيولوجية الفعلية للأشخاص الذين تحكمهم، مثل الصحة والطب والجنس والإنجاب والحياة الأسرية)، فخرجت السياسة على أثر ذلك من المسرح، كما غادرت الليبرالية السياسة أيضًا! حتى أصبح من المستحيل تخيُّل شكل سياسي بديل عن الليبرالية! كما أن الذين يُعادون الليبرالية أو لا يتفقون معها يجدون أنفسهم في وضعٍ صعب، لأن العدو المنتصر (الليبرالية) تحلَّل واختفى، فإذا بهم يجدون أنفسهم يكافحون ضد الهواء!
وبناءً على ذلك لا يوجد سوى مخرج واحد، وهو رفض النظريات السياسية الكلاسيكية الرابحة والخاسرة على حدٍّ سواء، ثم فك رموز ما بعد الحداثة بشكل صحيح حتى يتسنَّى لنا تطوير نظرية سياسية رابعة هي نظرية ما بعد الليبرالية والشيوعية والفاشية، لأن الليبرالية غير مناسبة والشيوعية والفاشية غير مقبولتين، إذ إن هذه مسألة حياة أو موت (أكون أو لا أكون) بالنسبة لروسيا وغيرها من الشعوب التي ترفض الليبرالية، فأن تكون يعني تلقائيًّا إنشاء نظرية سياسية رابعة، بينما لا أكون تعني الخروج من المسرح التاريخي والعالمي والذوبان في نظام عالمي لم تنشئه ولا تتحكَّم فيه.
وبما أن لكل نظرية من النظريات السياسية موضوع، فيجب أن تكون للنظرية السياسية الرابعة موضوع أيضًا، فموضوع الشيوعية هو الطبقية، وموضوع الفاشية الإيطالية هو الدولة تحت حكم موسوليني، وموضوع الاشتراكية القومية في ألمانيا هو العِرق تحت حكم هتلر، وموضوع الليبرالية هو الفرد الذي تحرَّر من جميع أشكال الهوية الجماعية أو الانتماء، ومن ثمَّ فإن موضوع النظرية السياسية الرابعة يجب أن يكون هو الحضارة.
الفكرة من كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
يعرض ألكسندر دوغين في هذا الكتاب أطروحته الفلسفية السياسية المُعادية لليبرالية وللنُّظم الغربية وللحضارات الأطلسية الممثَّلة في (أمريكا وبريطانيا)، ويُطلق على هذه الأطروحة اسم (الأوراسية)، وهي حركة ثقافية نشأت في روسيا، وشاعت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، لا تدَّعي هذه الفلسفة عالميتها وقطبيتها الوحيدة، كما أنها لا تفرض نفسها على الثقافات الأخرى مثلما فعلت الليبرالية طوال القرن العشرين والقرن الحالي، وتُعزِّز الأطروحة الأوراسية بما يُطلق عليه دوغين “النظرية السياسية الرابعة”، وهي بديل عن النظريات الثلاث: “الليبرالية” و”الشيوعية” و”الفاشية”.
مؤلف كتاب الخلاص من الغرب.. الأوراسية: الحضارات الأرضية مقابل الحضارات البحرية والأطلسية
ألكسندر دوغين: يُعد من أهم الفلاسفة والمفكرين الروس المعاصرين، ويعتبره البعض عقل بوتين، هو مُحلل سياسي واستراتيجي، صاحب النظرية السياسية الرابعة والنظرية الأوراسية، من كتبه المترجمة إلى اللغة العربية:
أسس الجيوبوليتيكا.. مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي.
الخلاص من الغرب.. الأوراسية.
معلومات عن المترجم:
علي بدر: هو روائي وكاتب ومترجم عراقي، من رواياته:
بابا سارتر.
شتاء العائلة.
مصابيح أورشليم.
حارس التبغ.
الكاذبون يحصلون على كل شيء.
ومن ترجماته:
الإنسان الإله لـ”يوفال نوح هراري”.