النظرية السلوكية والإشراط لتحقيق اليوتوبيا
النظرية السلوكية والإشراط لتحقيق اليوتوبيا
كانت السمة الشائعة في علم النفس -قبل الخمسينيات من القرن الماضي- هي إهمال ما يجري في عقول البشر، لأن الحالات النفسية الداخلية غير قابلة للقياس أو الملاحظة المباشرة، لكن بعد ذلك اتجه علماء النفس إلى التركيز على السلوك الظاهر القابل للقياس والملاحظة، ومن ثم هيمنت النظرية السلوكية على مجال علم النفس، بعد أن نشأت على أن شخصية الفرد وشخصيته السياسية يتشكلان بتأثير المؤسسات المجتمعية المختلفة وما تتضمنه من مثيرات واستجابات ودوافع ومعززات، والفكرة الأساسية التي تقوم عليها السلوكية بكل أشكالها هي الإشراط، لذلك يعتقد السلوكيون أن العقل الإنساني صفحة بيضاء خالية من أي شيء، ومن ثم يمكن من خلال الإشراط الكلاسيكي -على طريقة كلب بافلوف- التحكم في البيئة المحيطة وتسويده بما نشاء.
وبناءً على ذلك يعتقد عالم النفس “سكنر” أنه يمكن من خلال الإشراط الإجرائي تدريب البشر على القيام بالسلوك المقبول اجتماعيًّا، ومحو العدوان، والتحكم في الزيادة السكانية، والتخلص من عدم المساواة والتلوث، ومن ثم تحقيق اليوتوبيا، لكنْ هناك سؤال يطرح نفسه، وهو: من له الحق في تقرير السلوكيات المقبولة والسلوكيات غير المقبولة؟ فمثلًا الاغتصاب والسرقة غير مقبولين، لكن ماذا عن المخدرات والكتب والأفلام الإباحية؟ كيف يمكن وضع خط محدد اجتماعيًّا بين المقبول وغير المقبول؟ فمثلًا البِغاء مقبول في بعض الولايات الأمريكية كنيفادا، وممنوع في بعضها الآخر كأوهايو، والزنا عقوبته الموت في إيران، بينما في أمريكا يعاقب عليه بعبوس الوجه فقط، والأمثلة كثيرة، لذا يشكك غالبية علماء النفس في قدرة الإشراط على تغيير السلوك البشري.
الفكرة من كتاب علم النفس السياسي.. أوضاع، وأفراد، وحالات
يجيب المؤلف خلال صفحات الكتاب عن سؤال: لماذا يفعل الناس ما يفعلونه في سلوكهم العام؟ لينتهي إلى أن هناك نمطين أساسيين من المقاربات لفهم السلوك السياسي الإنساني، هما: المقاربة النزوعية التي ترى أن شخصية الفرد واعتقاداته وقيمه لها بالغ الأثر في انتمائه الحزبي وخصائصه الشخصية وقراراته، وحتى سلوكه الانتخابي، والمقاربة الموقفية التي ترى أن البيئة والموقف المحيط بالفرد أكثر أهمية من اعتقاداته وخصائصه الشخصية، وأنها هي التي تشكل سلوكه العام، وفي الأخير يستعرض بعض الظواهر التي خضعت للملاحظة العلمية، مثل الإرهاب وسلوك الناخب كتطبيقات لفهم النزوعية والموقفية.
مؤلف كتاب علم النفس السياسي.. أوضاع، وأفراد، وحالات
ديفيد باتريك هوتون: كاتب وأكاديمي بريطاني الجنسية، يعمل حاليًّا أستاذًا في جامعة وسط فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عمل في السابق في عدد من الجامعات البريطانية والأمريكية، وهو من المهتمين بمجالات علم النفس السياسي، وصنع القرار في السياسة الدولية، والسياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الإيرانية الأمريكية. من مؤلفاته:
Losing an Empire, Finding a Role: British Foreign Policy Since 1945
A Citizen’s Guide to American Foreign Policy: Tragic Choices and the Limits of Rationality
U.S. Foreign Policy and the Iran Hostage Crisis
معلومات عن المترجمة:
ياسمين حداد: مترجمة أردنية الجنسية، حصلت على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي من جامعة روتشستر في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملت في السابق أستاذة ورئيسة لقسم علم النفس بالجامعة الأردنية، وتعمل حاليًّا في جامعة الإمارات العربية المتحدة.