النظرة السقراطية (من هو سقراط؟)
النظرة السقراطية (من هو سقراط؟)
في الواقع أنا لا أريد أن أصدمك أو أشوِّش على المعلومات الثابتة في ذهنك، إلا إن هذا المبحث يعدُّ محل جدال وخلاف بين علماء الفلسفة والتاريخ حول حقيقة وجود شخص سقراط نفسه أصلًا، وأنه لم يكن شخصية خيالية أو مؤَلَّفة من قِبل تلاميذه، بل وصل الحال ببعضهم إلى أن يدَّعي أنه ربما كان نبيًّا في زمانه، والبعض الآخر يرى وجوب وجود شخصية سقراط لأنها نقطة البداية لكلِّ من جاء بعده، ومما جعل العلماء في حيرة من أمرهم هو عدم الوصول إلى مؤَلَّف أو أثر يخصُّ سقراط نفسه، فهو لم يدَع شيئًا يعرفنا بأفكاره وآرائه ولاءً منه لمقولته: “العلم في الصدور لا في السطور”! بداية غير مبشرة على أية حال، لكننا سنتجاوز ذلك، فما يهمنا هنا هو العرض والنقد.
فأما ما يتعلَّق بنظرته الفلسفية تجاه النفس فهو يفصل الجسد عن الروح ويحاول أن يدلِّل على ذلك فيرى أن النفس أو الروح الغيبية، والسابقة على وجود الأبدان، هي حقيقة الإنسان وجوهره وماهيته، وأن معرفتها من خلال العقل الكامن فيها والوقوف على حقيقتها هي المعرفة الأصل، وهي المعرفة الحقيقية لأنها المفتاح لكل المعارف الأخرى، ولأنها السبب في تربية تلك النفس وتأديبها ليصحَّ بذلك تصرُّفها وسلوكها، وأما عن علاقة هذه النفس بخالقها فهو يرى أن كلًّا منهما غيب لا يُدرَك، وهما أيضًا غيب متصرِّف قادر، فالله سبحانه على كل شيء قدير ومحيط بكل شيء علمًا، والنفس متصرِّفة في البدن تقوم على مصالحه لأنها من عالم سابق له،
وعلى الرغم من كل هذا فهو يرى خلاصها في موتها لتحرّر من ذلك الجسد فتخلد في حياة أخرى، بهذا نجد أن سقراط وضع النفس والإله في كفَّة واحدة من جهة أنه بشيء من الاجتهاد والترويض لهذه النفس يمكنها أن تصل إلى الغيب الإلهي وتدركه، ومن جهة أخرى في ادعائه بأسبقية هذه الأرواح أو الأنفس على الأبدان وادِّعائه خلودها، الأمر يدعو للعجب، فكيف بمن يعلي بهذا القدر من قيمة النفس يرى أن خلاصها بموتها وكأنه يدعو إلى ذلك ضمنيًّا!
الفكرة من كتاب النفس عند الفلاسفة الإغريق
نعيش في هذه الحياة محاطين بأسئلتنا حول أنفسنا والآفاق والآخرين، علامات استفهام كثيرة نخاف أحيانًا أن نحاول مجرد الاقتراب من مصادر تجيبنا عنها، وكيف لنا أن نثق فيها مع تعدُّدها ومع ادِّعاء كل واحد منا أنها الحصرية بالحق وحدها!
تكمن الإجابة في “الحق”؛ فللحق وجه لا يشبه بقية الأوجه، وجه ثابت على مر الزمان وفي مختلف الأصقاع لا يتبدَّل ولا يتغيَّر ولا يضطرب، وجه آمن ترتمي في أحضانه بغير شكوك ولا ريبة، ستعرفه وحدك، وربما يساعدك على ذلك أن تلقي نظرة على تلك الأوجه المتعدِّدة حتى إذا وصلت إلى الحق أسلمت نفسك له بغير تفكير، تعالَ أُريك جزءًا يسيرًا من اضطراب الإنسان وحيرته وهو بعيد عن الحق، تعالَ أُريك بعض تلك الأوجه، ونصيحتي لا تطِل البحث ولا النقد، فوقتك في النهاية محدود، وأنت تعرف جيدًا فيمَ يجب عليك أن تنفقه!
مؤلف كتاب النفس عند الفلاسفة الإغريق
حياة سعيد باخضر: أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.