النضال الأحمر
النضال الأحمر
لم يكن بدر شاكر السياب عضوًا عاديًّا في الحزب الشيوعي العراقي، بل يروي لنا عن نضاله في سبيل الراية الحمراء (راية الشيوعية) فيقول: كنت رئيسًا لاتحاد الطلاب وقد قمنا بإضراب طلابي في دار المعلمين العالية تنفيذًا لأوامر الحزب، فأثرنا النعرات العنصرية والطائفية، واستخدمنا الرفيقات الحسناوات لجذب الطلاب إلى صفوفنا، وسخرنا من أساتذتنا وقابلناهم بالتهكم، بل عندما امتنعت الصحف عن تأييدنا لمسنا ذلك عند صحيفة أخرى طائفية حتى إننا أفهمنا (حسين مروة) أحد مسؤوليها أن القضية لا تخصُّ الشيوعية وإنما هي صراع بين السنة والشيعة!
يستكمل الكاتب: فُصلت لمدة عام بينما فُصل نائبي “جاسم حمودي” لمدة أسبوعين فقط، رغم أنه الرئيس الفعلي للاتحاد، ولكنه فضَّل الرئاسة من خلف الستار بينما أصبحت أنا كبش الفداء، وقد كان الحزب كريمًا حقًّا، بعد أن أفلست أرسل إليَّ دينارًا واحدًا كمساعدة! لو كان لديَّ شعور بالكرامة حينذاك لرفضت هذه المساعدة التافهة، وبعد فصلي توجهت إلى القرية وبدأ نشاطي المكثف لجذب الفلاحين البسطاء لصفوف الشيوعية، لجأنا إلى الغش والخداع معهم، فلم نفصح عن إنكار الوجود الإلهي وأن المادة أصل الأشياء، بل غرَّرنا بهم باسم إلغاء الفروق بين الناس والعدل في توزيع الأراضي وزيادة حصتهم من حاصلات بساتين التمر، ولا عجب فإن الكرم بالوعود أتفه أنواع الكرم وأقلها عناء وكلفة.
هذه الوعود جعلت البسطاء يحلمون، بل وجرأتهم على السرقة والقتل وانتهاك الأعراض، وهي أحلام -يراها السياب- لا تختلف عن أحلام أي شيوعي آخر، ومن الوعود الغريبة التي وعد بها الحزب الشيوعي الفلاحين أنهم بعد الوصول إلى السلطة سوف يعطون كل مواطن قصرًا وخادمًا، ويذكر السياب كيف فطن أحد الفلاحين لزيف هذه الوعود وسخر منها قائلًا: إن كنتم ستعطون كل مواطن منا بلا استثناء خادمًا، فمن أين ستأتون بهؤلاء الخدم؟ من الشعب نفسه أم من خارج البلاد؟!
الفكرة من كتاب كنت شيوعيًّا
“ليست كتابات الرفيق رائد التي فضح فيها الشيوعية والشيوعيين هي التي حفزتني على الكتابة، إنها فكرة ظلت تراودني منذ أمد بعيد، أن أكتب تجربتي مع الشيوعيين، كيف اعتنقت الشيوعية، وماذا رأيت فيها ومنها، وما الذي جعلني أصبح عدوًّا لدودًا لها.. وها أنذا أحقق حلمي اليوم!”.
بعد أكثر من أربعة عقود على وفاة الشاعر والكاتب بدر شاكر السياب، جُمعت اعترافاته التي نشرها عام 1959 في جريدة “الحرية” البغدادية في كتاب واحد، تلك الاعترافات التي ضمَّنتها شهادته على الحزب الشيوعي عندما كان بين صفوف الشيوعية لتبقى شاهدةً على التاريخ.
مؤلف كتاب كنت شيوعيًّا
بدر شاكر السياب: شاعر عراقي، ولد في الـ 25 من ديسمبر عام 1926 بالبصرة، يُعد واحدًا من أشهر شعراء العرب في العصر الحديث، أسهم في تأسيس مدرسة (الشعر الحر) برفقة مجموعة من كبار الشعراء، كما عمل مدرسًا للإنجليزية، ثم فُصل من وظيفته لميوله السياسية وأودع السجن، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوجُّه إلى إيران ثم الكويت، وقد فارق الحياة في الـ 24 من ديسمبر عام 1964 بالكويت بعد صراع مع المرض.
ومن أعماله الشعرية: “أساطير”، و”قيثارة الريح”، و”أزهار ذابلة”، ومن أعماله النثرية: “الالتزام واللا التزام في الأدب العربي الحديث”، ومن ترجماته: “ثلاثة قرون من الأدب”، و”قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث”.