النشأة
ينتمي الغراب إلى سلالة كورفيدا أسترالية الأصل، وتضم هذه السلالة مجموعة أخرى من الطيور كالعقعق وغربان الجوز وأبي زريق المشهور باسم: القيق الأوراسي، وتسمى فصيلتها بفصيلة: “باسيريقورم” وتعني “الطيور المغردة” رغم عدم تمتُّع جميع أنواعها بأصوات عذبة، وأغلب الظن أن منشأها يعود إلى فترة انعزال أستراليا عن القارة الأوروآسيوية، ومن ثم مع الانجراف الحادث خلال الزمن استطاعت هذه الطيور العبور إلى القارة الآسيوية والهجرة منها إلى أوروبا وأمريكا، وصحب ذلك تمحور وتطور وظيفي لمواكبة التغيرات الجديدة، والآن يلاحظ وجودها في جميع دول العالم عدا أقصى أمريكا الجنوبية ومناطق قرب القطبين، ورغم إطلاق لفظ “غراب” على جميع أفراد سلالة كورفيدا، فإنه واقعيًّا يمثل الطيور من نوع كورفوس المعروفة باسم “الغربان الحقيقية”، وتمتاز الغربان الحقيقية بتنوُّعها، وتشمل أكثر من عشرين إلى ثلاثين نوعًا، أشهرها: الغداف، والغربان المحتالة، وغراب الزيتون، والغراب آكل الجيف، والغراب العادي، والغراب ذو القلنسوة، وغراب الروك.
ينتج عن هذا التنوع صفات شكلية أنيقة واختلاف واضح في أماكن انتشار كل نوع مما يفيد العلماء والمختصين بمثل تلك الدراسات، ويساعدنا على تمييز ما يحيط بنا، وعلى ذلك فإن هذا السياق لا يفيد في فهم الإشارات الأدبية في الشعر والأساطير والقصص، وقد يستحيل استنتاج أي نوع هو المقصود في نص شعبي.
الفكرة من كتاب الغراب.. التاريخ الطبيعي والثقافي
اختلف الواصفون من شعراء وعلماء وكهنة ورسامين في توصيف الغراب، أي أن كل اتجاه يميل إلى إظهار جانب مختلف من جوانب هذا الطائر العتيق، فالعالِم يراه بنظرة تشريحية تدرس وظائفه الحيوية وخصائصه التصنيفية التي تضعه في سلالات ومسميات تحدد رتبته ضمن باقي الكائنات الحية، والفنان يهتم برسم لوحات تبين الثنيات والألوان بتفاصيل جمالية، فضلًا عن تضمينه في كثير من الأمثال الشعبية ذات الدلالات والحكم المتوارثة جيلًا بعد جيل.
أما العوام من الناس فتروج بينهم النظرة التشاؤمية المرهونة برؤية هذا الطائر، وهكذا فإن الأساطير المحكية والتقاليد والتاريخ وحتى القصص الدينية المتواترة والكتب المقدسة جميعها تحوي حديثًا متنوعًا عن الغربان، ويختلف كل منهم في ذكر صفاته ووصف وجه مميز يغيب في منظور الوصف الآخر، لكنهم يجتمعون معًا لخلق صورة واحدة تنتهي برسم لوحة متكاملة عن الكائن الغامض ذي الريش الأسود والمنقار المدبَّب.
ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى الحديث عن سلوكه الحيواني وتوضيح ما له في التاريخ الطبيعي والثقافي من جميع الاتجاهات كالشعر والأدب والفنون، حتى يتيح لنا الإلمام بكل ما لهذا المخلوق من حديث يعيننا على فهم ما يدور حوله من ألغاز علمية، إضافةً إلى إدراك ما يمثله في الثقافات المختلفة، ويعد أرسطو أول المتحدثين عن الحيوان بشكل علمي، وذلك في كتابه “تاريخ الحيوان”، الذي تحدث فيه عن الغربان واصفًا أشكالها وخصائصها، وقد ذكر في مدة رعايتها واهتمامها بأبنائها أنها طويلة مقارنةً مع باقي الطيور.
مؤلف كتاب الغراب.. التاريخ الطبيعي والثقافي
الدكتور بوريا ساكس Boria Sax كاتب أمريكي من مواليد المملكة المتحدة في عام 1949، حاصل على الدكتوراه في التاريخ الألماني والفكري من جامعة ولاية نيويورك في بوفالو، ومحاضر الأدب في كلية ميرسي في دوبوس فيري بنيويورك، وله العديد من الكتب التي تبحث تداخل علم الحيوان بأساطير الشعوب القديمة، نذكر من تلك المؤلفات: “حديقة الحيوان الأسطورية”، و”الثعبان والبجعة”، إضافة إلى كتب أخرى مثل: “التراث الرومانسي للماركسية”.