النخبة المثقفة في العالم العربي
النخبة المثقفة في العالم العربي
بعد ذلك ينتقل الكاتب ليتحدَّث عن النخبتين العصرانية والإسلامية، فالنخبة العصرانية في العالم العربي هي التي تفاعلت مع الواقع وقادت مجتمعاتها، إلا أنها اتخذت من المعطيات الاجتماعية والفكرية للحضارة الغربية مرجعية، وأرادت أن تنشرها وتطبِّقها في العالم العربي، وقد تفاوتت هذه النخبة في اتخاذها الغرب مرجعية ثقافية، ومن ثم في جنوحهم عن المسلمات والمنطلقات المستمدة من الإسلام، فمنهم من تبنَّى مقولات وأفكارًا تتصادم مع العقيدة الإسلامية، ومنهم من رفض مرجعية الدين لكنه رفض أيضًا أن يصادمه في محاولة توفيقية، ومنهم من حاول تأويل الدين الإسلامي ليكون متوافقًا مع الفكر الغربي، ومنهم من يأخذ من الفكر الغربي تارةً، ومن التراث الإسلامي تارةً أخرى، حتى ظهر ما يُسمَّى باليسار الإسلامي!
الإشكال أن الفكر الغربي يرى أن الكون هو المركز وليست ثمة مرجعية متجاوزة ينبغي أن نلجأ إليها، وأن للإنسان الحق المطلق في التصرُّف كما يشاء ويستخدم في ذلك عقله لأنه الأداة الوحيدة لإدراك الحق والحقيقة، وأن الحضارة الغربية هي الأكثر تقدمًا والذي ينبغي لكل البشر أن يسيروا في ركبه ليصلوا إلى ما وصل إليه من تقدم ورقي!
ويسرد الكاتب بعد ذلك الأحوال والأوضاع التي آلَ إليها العالم العربي على إثر انتشار وعلو النخبة العصرانية التي فشلت في عمليات الإصلاح التي زعمت أنها ستتحقَّق بتبنِّي الأفكار والمقولات الغربية برمَّتها دون أي مراعاة لاختلاف الثقافات، وقد اعترف الكثير من هؤلاء النخب بعجزهم وفشلهم في تحقيق آمالهم وأحلامهم، ومنهم من انسحب ومن تحول فكريًّا ليتبنَّى مقولات وأطروحات إسلامية.
أما النخبة الإسلامية فبدأت في التشكل في منتصف القرن العشرين فيما يُعرف بالحركة الإحيائية، وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ثم ابن باديس ورشيد رضا وعلال الفاسي، ثم الحركات الإصلاحية التي سعت إلى عمليات إصلاحية لها مرجعية إسلامية، والحاصل أن المثقفين الإسلاميين يمكن تقسيمهم إلى نمطين؛ الأول العلماء الشرعيون والثاني هم ذوو المنهجية الفكرية من أصحاب التخصُّصات المعاصرة مثل القانون والتاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وقد نجحوا في مقاومة الغزو الثقافي بدرجة ما، والقيام بعمليات إفاقة وبعث للأمل من جديد في نفوس الشعوب العربية، ومحاولة القيام باجتهادات شرعية مناسبة للمتغيرات الحديثة والوقائع المعاصرة.
الفكرة من كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
يطرح هذا الكتاب بعدًا نظريًّا وبعدًا واقعيًّا، البعد النظري يدور حول ماهية الثقافة وموقعها من المجتمعات، وشخصية المثقف ومقوماته، والبعد التطبيقي يختصُّ بالتحوُّلات الثقافية في العالم العربي في القرنين الماضيين، وتأمل حال من تسمَّوا بالنخبة الثقافية عصرانيين كانوا أو إسلاميين، مع وضع تصور للخصائص والمؤهلات والملكات التي ينبغي أن يتحلى بها المثقف المسلم في العصر الحديث.
مؤلف كتاب المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية
الدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي: أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، وعضو المجلس العلمي بمركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية.
من أهم مؤلفاته: “مصادر المعرفة بين الفكر الديني والفلسفي”، و”السلفية وقضايا العصر”، و”حقيقة الفكر الإسلامي”، و”مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر”.