المُختبر الأكبر
المُختبر الأكبر
ساعة ذكيَّة من إنتاج شركة Apple ترصد إجهادك النفسي وعدد خطواتك، استبيانات مُتكرِّرة على التطبيقات المُختلفة لتُسجل حالتك النفسية، كاميرا في كل الأرجاء لتعقب الابتسامات على وجوه الزائرين، لا ليست أشياء غرضها الأوَّل أنت، إنها أدوات ضمن المشروع الأكبر لتحليل الخصائص النفسية للجماهير، وكأن البشر فئران بيضاء تُستثار بحثًا عن استجابة.
كل تلك التطورات قرَّبت المعرفة بالعقل الفردي، وكيف يتخذ الفرد القرار، ولماذا يشتري الناس ما يشترونه، وكأن المُجتمع مُصمَّم ومحكوم كمختبر فسيح نعيش فيه طوال حياتنا اليومية، للدرجة التي يستطيع الخُبراء المؤهلون الحديث عن حالتك الذاتية أكثر منك شخصيًّا، وكأن المسائل الذاتية لم تعد ذاتية!
إنها خوارزميات تتشكَّل لتُشبهنا تمامًا، ثم تُمرِّر الأدوات التي تُخفِّف الحُزن، أو تزيد من مُعدَّل السعادة الرأسمالية، السعادة التي لم تعد حالة يمر بها العقل أو الوعي، بل هي حالة فيزيائية بيولوجية، تمامًا كما قال بنتام في فلسفته.
ولكننا أمام كل ذلك لدينا سؤال فلسفي جديد، ما معنى السعادة؟
إن نموذج الزراعة يُمكننا من خلاله فهم الطبيعة الإنسانية بعيدًا عن النمط الرأسمالي، وذلك لأن خشونة الحياة الزراعية وشدَّتها جُزء من قيمتها، قد يفشل المحصول بسبب سوء الطقس، لكن يظل الضحك والمُضي لمحاولة أُخرى هو الاستجابة الوحيدة، فلا يوجد مجد فردي، أو تنافس مع آخر.
وبالفعل هناك عدد من المزارع العلاجية “Care Farm” والتي يستطيع فيها المتطوِّعون العمل نصف يوم كل أسبوع، وذلك لأن المزرعة بيئة تحيط بها قيم معاكسة لقيم الرأسمالية، وبالتالي يتلمَّس المتطوِّعون فيها كرامتهم الذاتية.
الفكرة من كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
في عام 2014.. في افتتاحية مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستقطب أصحاب الأموال، وصُنَّاع القرار، وقادة الدول، لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية، يتقدَّم راهب بوذي في إحدى المُحادثات ليُعلِّم الأعضاء فن الاسترخاء، والاستغراق العقلي.
وفي الحقبة الماضية نرى الترويج المستمر لحركة علم النفس الإيجابي، وكيف يُمكننا أن نشعر بالسعادة خلال الحياة اليومية، ونرى كذلك مُسمًّى وظيفيًّا جديدًا في الشركات “مديري السعادة” هؤلاء الذين ينشرون البهجة، ويساعدون العُمَّال على استعادة حماستهم للعمل.
كل تلك الأمور لا تكفُّ عن ترتيل أن السعادة “خيار” شخصي في عالمنا المجنون، والحقيقة هي أن سعادتك أيُّها الموظف شيء مُهم لأجل زيادة الأرباح، وكل تلك الحيل تجعل السعادة أمرًا يمكننا الاستفادة منه داخل البيئة الرأسمالية لا لأجلك أنت، بل لأجل المال.
ومن هنا يُقدِّم لنا الكاتب كيف تجعل الرأسمالية الحياة بأكملها مُختبرًا تقيس فيه السعادة؟ كيف تصنعها؟ كيف تبيعها؟ وما الظواهر النفسية والجسدية والقيمية الناتجة من الرأسمالية؟
مؤلف كتاب صناعة السعادة : كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟
ويليام ديفيز: أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي، عمل بالتدريس في جامعة Goldsmiths University بلندن، وقد كتب عددًا من المقالات في بعض المجلات مثل New Left Review وProspect وThe Financial Times، وعمل مُحررًا في Open Democracy Renewal.
من مؤلفاته:
The Limits of Neoliberalism: Authority, Sovereignty and the Logic of Competition.
Nervous States: Democracy and the Decline of Reason.
معلومات عن المُترجم:
مجدي عبدالمجيد خاطر: كاتب ومترجم مصري، نُشرت ترجماته في المركز القومي للترجمة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار “أزمنة” في الأردن، ودار “كلمات” بالإمارات، وغيرها من الصحف والمجلات العربيَّة، كما قام بتأليف مجموعة قصصية بعنوان “مجرَّد شكل” في عام 2005.