المُثقَّف
المُثقَّف
كان يحمل صفات الجندي من نظام، حيث كان لا يُكبِّر للصلاة إلا بعد تسوية الصفوف، ومن استحسان للبدن فكان يُحذِّر الناس من السمنة، ويحثُّهم على الطاعة سواء طاعة القانون أي القرآن، أو طاعة القائد الأعلى وهو النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولم يكن لعمر نصيب من هذه الصفات فقط، بل كان له أيضًا نصيب بالغ في ثقافة زمانه، فقد كان أديبًا ومورِّخًا وفقيهًا، فظلَّ بعد إسلامه شغوفًا بالشعر والأمثال والطرَف الأدبية، وكان يعدُّ رواية الشعر من تمام المروءة، فقد أعاد رواية الشعر للمسلمين بعدما انشغلوا عنه بالجهاد، ولكنه منع التغزُّل بمحاسن النساء والهجاء، وإلى جانب الشعر اهتم بالأدب، فأمر بوضع قوام اللغة العربية وهو قواعد النحو، وأوصى الناس بتعلُّم النسب، فقد كان مشهورًا بأنه عليم بتاريخ العرب ومفاخر أنسابها، كما كان مشهورًا بين الفقهاء، فكان عبد الله بن مسعود يقول: “كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وكان إذا اختلف أحد في قراءة الآيات قال له: اقرأها كما قرأها عمر”.
ولم يقتصر علم عمر على التاريخ والفقه، فكان يعلم جغرافية الشرق عن سماع ورؤية، وكان يفرض على الولاة معرفة جغرافية الولاية ويعزل من يرى تقصيره عن ذلك، وكان يعلم المعرفة العامة بالحساب، لأنه كان تاجرًا منذ نشأته، وتولَّى مهمة إحصاء الجند والمال في عهد أبي بكر الصديق، فكان يعلم الألوف وعشرات الألوف، وكان له نصيب من الخطابة، فكان جهوري الصوت، واضح النطق، سليم الشفتين، يمتلئ فمه بالكلمات، وكان له تعبيرات وكلمات خاصة به، واهتم أيضًا بأدب الذكريات، فوافق على اختيار يوم الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي، كما أصغى إلى اقتراح جلَّة من الصحابة بدعوة بلال إلى الأذان، حيث قد كان انقطع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وربط مجد العرب بالرياضة، فقد كتب إلى الأمصار أن يعلِّموا أولادهم السباحة وركوب الخيل، وكل تلك العلوم والمهارات يمكن أن يخيَّل لنا أن يمتلك عمر حظًّا فيها.
الفكرة من كتاب عبقرية عمر
ما بين القاهرة والسودان ظل العقاد يجمع المصادر ليُهدينا هذا الكتاب الذي يدور حول صفات وأطوار شخصية تُعدُّ من أعظم الشخصيات الإسلامية، وهي شخصية الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقد عرض له خاطره النقد لكنه شعر بالحرج، فكيف يُحاسِب رجلًا كان أشد حسابًا لنفسه، فبعد تمحيص من العقاد وجد أن كل موضع نُقِد فيه عمر كان له حُجَّة قوية وإن أخطأه الصواب، وقد ذكر بعضها في خلال هذا الكتاب، فهنا لن نتعمَّق في سيرة عمر بن الخطاب، بل في صفاته وثقافته، وفي أطواره، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وأثناء الحكم، وفي علاقته بالنبي(صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه وأهل بيته.
مؤلف كتاب عبقرية عمر
عباس محمود العقاد: أديب مصري، وشاعر، ومؤرخ، وفيلسوف، وسياسي وصحفي، وُلد بمدينة أسوان عام 1889، واكتفى بالحصول على الشهادة الابتدائية، لكنه ظل يعكف على الكتب ويثقِّف نفسه بنفسه حتى وصلت مكتبته إلى أكثر من ثلاثين ألف كتاب، وقد التحق بالعديد من الوظائف الحكومية ولكنه لم يظل طويلًا في أيٍّ منها، لأنه كان يرى الوظيفة الحكومية سجنًا لأدبه، فاتجه بعد ذلك إلى الصحافة حيث التحق بجريدة الدستور، وأصدر جريدة الضياء، وعمل في أشهر الصحف آنذاك، وقد دخل في معارك مع كبار الأدباء والشعراء، وشارك في تأسيس مدرسة الديوان، كما شارك في معترك الحياة السياسية، فانضم إلى حزب الوفد، وهاجم الملك فاروق أثناء إعداد الدستور، فسُجِن لمدة تسعة أشهر، تعدَّت كتبه المائة، وأشهرها:
سلسلة العبقريات.
أنا.
سارة.
وحي الأربعين.
كما قام أيضًا بتأليف عدَّة قصائد، منها:
أصداء الشارع.
الآمال.
العقل والجنون.