الميلاد والهروب والصدمة!
الميلاد والهروب والصدمة!
لقد ساعدت ظروف نشأة السياب على إعجابه بما ينادي به الشيوعيون، سواء كانت مشاهد ظلم أسرته للفلاحين أو حضوره اجتماعات الحزب اللا ديني -الذي كان عمه أحد مؤسسيه- بما فيها من مجون. انضم بدر السياب رسميًّا إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي يعمل سرًّا عن طريق اختياره هو وأعمامه من قِبل “أحمد علوان” الإيراني الأصل، فاختار لنفسه “جرير” اسمًا مستعارًا.
شارك في مظاهرات دامية وصدر قرار بالقبض عليه، فاختار الهروب إلى إيران، ثم إلى الكويت، ثم رجع إلى العراق ثانيةً، ولما وجد الأوضاع كما كانت قبل الرحيل حصل على رسالة توصية من الحزب الشيوعي العراقي إلى حزب تودا الشيوعي بإيران، وفي إيران خرج السياب ضمن نحو مليوني متظاهر في حشد صاخب دبره حزب تودا احتفالًا بفشل مؤامرة أمريكية في البلاد، اجتاحته نشوة هائلة، وعد انتصار الحزب انتصارًا للحركة الشيوعية في الشرق الأوسط كله، ولكن هذا النصر كانت ضريبته انقلابًا رجعيًّا ضد السلطة نفذه مجموعة لا تتجاوز الستين هاجموا الناس بالطعن والركل والحرق وسط صمت تام من الحزب.
اتصل السياب بالحزب مستنكرًا صمتهم تجاه “زاهدي” وما يقوم به في البلاد، فأجابوه: “نحن قادرون على سحق زاهدي سحقًا، ولكننا على حدود اتحاد شوروي -الاتحاد السوفييتي- فإذا استولينا على الحكم هنا سوف يتدخَّل الأمريكان ويُصاب الاتحاد السوفييتي بالضرر”، وبعد تفاقم الأزمة، أرسل التوديون إلى موسكو فأجابوهم بانتزاع السلطة من يد “زاهدي” إن استطاعوا، ولكن كان “زاهدي” قد سيطر على الوضع تمامًا، يقول السياب: “وهكذا ضاعت مصالح الشعب الإيراني في سبيل مصالح الأم الحنون، بل في سبيل مجرد الخوف على مصالحها”.
الفكرة من كتاب كنت شيوعيًّا
“ليست كتابات الرفيق رائد التي فضح فيها الشيوعية والشيوعيين هي التي حفزتني على الكتابة، إنها فكرة ظلت تراودني منذ أمد بعيد، أن أكتب تجربتي مع الشيوعيين، كيف اعتنقت الشيوعية، وماذا رأيت فيها ومنها، وما الذي جعلني أصبح عدوًّا لدودًا لها.. وها أنذا أحقق حلمي اليوم!”.
بعد أكثر من أربعة عقود على وفاة الشاعر والكاتب بدر شاكر السياب، جُمعت اعترافاته التي نشرها عام 1959 في جريدة “الحرية” البغدادية في كتاب واحد، تلك الاعترافات التي ضمَّنتها شهادته على الحزب الشيوعي عندما كان بين صفوف الشيوعية لتبقى شاهدةً على التاريخ.
مؤلف كتاب كنت شيوعيًّا
بدر شاكر السياب: شاعر عراقي، ولد في الـ 25 من ديسمبر عام 1926 بالبصرة، يُعد واحدًا من أشهر شعراء العرب في العصر الحديث، أسهم في تأسيس مدرسة (الشعر الحر) برفقة مجموعة من كبار الشعراء، كما عمل مدرسًا للإنجليزية، ثم فُصل من وظيفته لميوله السياسية وأودع السجن، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوجُّه إلى إيران ثم الكويت، وقد فارق الحياة في الـ 24 من ديسمبر عام 1964 بالكويت بعد صراع مع المرض.
ومن أعماله الشعرية: “أساطير”، و”قيثارة الريح”، و”أزهار ذابلة”، ومن أعماله النثرية: “الالتزام واللا التزام في الأدب العربي الحديث”، ومن ترجماته: “ثلاثة قرون من الأدب”، و”قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث”.