الميزان ذو الكفتين
الميزان ذو الكفتين
أي عمل من الأعمال قبل أن تُشرع فيه حاول أن تعرضه على ميزان الأعمال ذي كفتي الإخلاص والاتباع، فتنظر إلى عملك هل هو خالص لله سبحانه أُرِيد به وجهه أم الثناء أو المدح أو الرفعة أو حظ النفس؟ وإن ضُبط هذا المعيار فانظر إلى المعيار الآخر: هل هذا العمل موافق لهدي الرسول الخاتَم أم هو مبتَدَع زائدٌ عن المشروع أو ناقص لا يمتُّ إلى الهدي بصلة!
ولا بد أن تذكِّر نفسك بأن العمل إن كان خالصًا ولم يكن صوابًا على هدي النبي، فلن يُقبَل وإن كان صوابًا ولم يكن خالصًا لله، فلن يُقبل كما قال الفضيل بن عياض، وكان يحيى بن كثير يقول: “تعلَّموا النية فإنها أبلغ من العمل”، وقال ابن المبارك: “رُبَّ عمل صغير تعظِّمه النية ورُبَّ عمل كبير تُصغِّره النية”، وهذا من دقيق فهم السلف عن أعمال القلوب، وكونها محل نظر الرب (تبارك وتعالى)، فإصلاحها مأمورٌ به فهي المركز النابض والمحرك للجوارح.
والإخلاص هو أشد شيء على النفس، وأشد ما عالجه الناس في نفوسهم تجريدها من كل حظ وتوحيد رغبتها لفاطرها وبارئها وحده لا شريك له، والصيام يساعد على ذلك، فهو من العبادات الخفية التي لا يطلع عليها أحد سوى الله سبحانه، فمن يراك إن اختليت بنفسك في غرفتك خلال نهار رمضان تأكل، ومن يراك حين تطلق بصرك في المحرم؟ واقرأ الحديث مرة أخرى بتركيز، يقول (صلى الله عليه وسلم): “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”، وقوله: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه”، واحتسابًا هنا معناها طلبًا للثواب من الله وحده، وإيمانًا معناها اعتقادًا بأن ذلك التكليف حق.
وأما عن اتباع هديه (صلى الله عليه وسلم) في الصيام، وهو كفة الميزان الأخرى، فقد كان من هديه أن يُكثِر من أنواع العبادات على اختلافها في رمضان، وكان من هديه أيضًا أن يُعجِّل الإفطار، وأن يُفطِر قبل أن يصلي المغرب ويؤخِّر السحور، وكان يترخَّص في السفر فيفطر، وكان يستاك وهو صائم وكان يصبُّ الماء على رأسه أيضًا وهو صائم، بل وكان (صلى الله عليه وسلم) يقبل زوجاته أيضًا وهو صائم.
الفكرة من كتاب روح الصيام ومعانيه
كثيرة هي نفحات الدهر التي يتودَّد الله فيها لعباده، يتودَّد ليعطي ويسبغ فضله وكرمه وعطاءه، ومن أعظم هذه النفحات شهر رمضان شهر القرآن شهر الإحسان، بل شهر الأقدار والتغيير الحقيقي والقرارات الحاسمة، فَيَا بَاغِيَ الخير أَقبِل ويَا بَاغِيَ الشرِّ أَقصِر.
مؤلف كتاب روح الصيام ومعانيه
عبد العزيز مصطفى كامل،كاتب وعضو مجلس إدارة بمجلة البيان، حاصل على ماجستير ودكتوراه في الشريعة، وللشيخ مؤلفات عديدة ومقالات متنوعة تخدم مجال الشريعة، ومن أبرزها:
العلمانيون وفلسطين: ستون عامًا من الفشل وماذا بعد؟
قبل الكارثة.. نذير ونفير.
معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية.