الميديا والتربية
الميديا والتربية
إن الأنظمة السلطوية تستخدم وسائل الاتصال “لبناء الشعب” أو “لتربيته”، وفي تعريف التربية يقول اليونانيون إنها تعلُّم لغات الفكر والتدرُّب على المعارف وعلى بعض المهارات والإعداد للمواطنة، فما تأثير الميديا في التربية وعلاقتها بالأهل والمعلمين؟
لفترة طويلة تقاسمت المدرسة والعائلة مع الدين مهمات التربية، ولكن مع ظهور التلفزيون بدأ يتحدَّى المؤسسات التي نذرت نفسها للتربية، فصارت تلك المؤسسات في حالة من القلق والانبهار، وتجدَّدت أسئلتها حول تأثير التلفزيون والدور الذي يجب عليها نحوه، وحول الرسالة التربوية التي يجب تعيينها لهذا المولود الجديد بين وسائل الاتصال الإعلامية.
لقد قلق معلمو المدارس قبل الأهل، من أن يمسَّ التلفزيون سلطة هيبتهم أمام تلاميذهم، ولكن الحكومات اعتبرت أنه لا يحقُّ حرمان التربية من هذه الوسيلة، فهي تعتقد أن هذه النافذة الرائعة لها مهمة التخفيف عن الأهل والمعلِّمين، فاعتبروا التلفزيون “مدرسة موازية”، ومن الممكن أن تكون وسائل الاتصال أداوت مساعدة للمربِّي.
ولكن بعد عام 1990 وبظهور الملتي ميديا والإنترنت ذهبت بالتربية أبعد من التلفزيون، فإحدى حسناتها هو جعل عملية التعلُّم عملية فردانية، فالتلميذ يدرس وفق وتيرته، متى شاء وحيثما شاء، دون أن يحمرَّ وجهه خجلًا عندما يُخطئ، فهي تشكِّل بديلًا قويًّا عن المُدِّرس، فأصبح العلم يذهب إلى التلميذ بدلًا من العكس.
وسواء ظهرت وسائل الاتصال كتهديد أم كفرصة، فإنها تشكِّل تحدِّيًا للتربية، فالتربية تقوم على جعل البشرية عاقلة، كما أن التربية تُعيِّن وظائف متعدِّدة من تعليم اللغة، ثم التعليم الموسوعي وهو تعلُّم المعارف والمهارات، ثم إعداد المواطن الصالح، ولكن وسائل الاتصال ليس لها هذه الفضائل كلُّها، نعم قد فتحت وثائق متعددة لكن لا نملك الأدوات للاستفادة منها، فيجب أن نتعلَّم الإبحار دون أن نغرق في محيط الإنترنت.
الفكرة من كتاب الميديا
تتزايد أهمية الدور الذي تؤديه الميديا كل يوم في موضوع الإعلام والاتصال أو في مجال اللهو والتثقيف، فالصحافة والسينما والإذاعة والتلفزيون والإنترنت جميعها وسائل لتبادل الجسور بين الأشخاص والشعوب والثقافات.
يقدِّم هذا الكتاب تسلسلًا تاريخيًّا لمختلف أنواع الميديا، ويحلِّل أهدافها وغاياتها، فقد حسَّنت أوضاع العالم من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى خلقت مشكلات إنسانية على المستويات الاجتماعية والنفسية والفكرية، فلاحظنا أن الفرد يُجري الاتصال مع كل أنحاء العالم متجاهلًا الاتصال مع جاره الذي يسكن في المبنى نفسه، ومن هنا كان الوقوف وتحليل تلك التقنية أهمية كُبرى في فَهم خصائصها وطبيعتها وتأثيرها.
مؤلف كتاب الميديا
فرانسيس بال Francis Balle: أستاذ العلوم السياسية بجامعة بانتيون بباريس، كما أنه مدير معهد البحوث والدراسات في مجال الاتصالات والدراسات الإعلامية (IREC)، وقد شغل العديد من المناصب الرفيعة في الهيئات الرسمية، منها عضوية المجلس الأعلى للوسائل السمعية والبصرية. يُدرس دورات في علم الاجتماع ووسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الجامعة وفي معهد الصحافة الفرنسية.
له العديد من المؤلفات والكتب:
صدمة ثقافات.
وسائل الإعلام الجديدة.
علم الاجتماع وعلوم المجتمع.