الموضة ويوتوبيا العصر
الموضة ويوتوبيا العصر
الموضة ظاهرة اجتماعية في وهي حركة دائمة، تستمدُّ استمرارها من داخلها وتجمع الطاقة وتنفقها في الوقت نفسه، وإن كانت مُحالة في الكون الفيزيائي فهي طبيعية داخل مجتمع بشري حيث تتصادم رغبتان متعارضتان: رغبة الإحساس بالانتماء إلى جماعة، ورغبة بالتميز والإحساس بالأصالة.. الأولى طلبًا للأمن والثانية طلبًا للحرية، وتلعب الموضة في كل زمان ومكان دور المشغِّل لعمليات التغيُّر الدائم وتحويله إلى حالة ملازمة لحياة البشر، ولكل موضة أسلوبها بحسب الثقافة والمؤسسة التي تخدمها.
وموضة اليوم تحدِّدها الأسواق، ما ينعكس على نوع الإنتاج الثقافي ودور المثقفين، والموضة أيضًا إحدى عجلات الطيران التي طار بها التقدُّم فانتقل من خطاب التحسين المشترك للحياة إلى خطاب البقاء الشخصي، فالثقافة الراهنة الخاضعة لمنطق الموضة تجبر الإنسان -على الأقل في مظهره الخارجي- على تغيير جلده كل يوم بسرعة وكفاءة كما يغير ثيابه، وستعينه السوق الاستهلاكية على اكتساب تلك المهارة بثمن قليل أو غير قليل لأن التمسك بموضة قديمة يعد كارثة على الاقتصاد الاستهلاكي المعتمد كليًّا على إلقاء المشتريات القديمة في صندوق المهملات وشراء أشياء جديدة توافق ثقافة العصر ومنطق الموضة.
إنَّ يوتوبيا الأمس، المتمثِّلة في المدينة الفاضلة في نهاية الطريق وحصاد نتائج الكدح، تختلف عن يوتوبيا اليوم التي هي الطريق نفسه، نهايته تعني خسارة اليوتوبيا؛ إنها يوتوبيا متمركزة حول الهموم الذاتية ولا تعطي معنًى للحياة سواء كان أصليًّا أو زائفًا ولا تكابد عناء البحث عن إجابات لسؤال معنى الحياة، بل تنفي السؤال من الأساس.
الفكرة من كتاب الثقافة السائلة
الثقافة هي مجموعة العقائد والقيم والعادات والفنون والمعارف التي يكوِّن بها المرء تصوِّره عن الكون والحياة والإنسان، وكانت الثقافة في الأزمنة السالفة ذات طبيعة صُلبة تؤدِّي وظيفة ثابتة محدَّدة المعالم والأهداف؛ فكان النظام أصل والخلل استثناء، ولكن في زمان الحداثة السائلة -كما يسميها المؤلف- ذاب كل شيء وتميَّعت كل مظاهر الثقافة لتصير خادمة للسوق الرأسمالي، وشكلًا من أشكال الأثرة التي لا تهتم للمستقبل ولا تعبأ بالتراث، وإنما تؤصِّل للاستمتاع باللذة الحاضرة وزيادتها.
مؤلف كتاب الثقافة السائلة
زيجمونت باومان (Zygmunt bauman): عالم اجتماع بولندي وأستاذ متقاعد في جامعة ليدز منذ ١٩٩٠، وقد ولد باومان عام ١٩٢٥، واستقر في إنجلترا بعد طرده من بولندا عام ١٩٧١ بتهمة معاداة السامية بتدبير من الحكومة الشيوعية، وعرف بتحليلاته العميقة عن العلاقة بين الحداثة والهولوكوست، واشتهر بسلسلة السيولة التي حلَّلت أثر ثقافة الاستهلاك والرأسمالية في تحولات الحداثة؛ وتُوفي في يناير ٢٠١٧.
من مؤلفاته:
– الحداثة السائلة.
– الحداثة والهولوكوست.