المورد والوارد
المورد والوارد
إن الكثير من الناس يُقبل على القُرآن ولا يعرف قدر الذي هو مُقبلٌ عليه، لذا كان على الإنسان أن يُدرك أولًا قدره، فيُقدّره حق التقدير، ويدخل عليه دخولًا يليق به، ولمعرفة عِظم القرآن الكريم نتتبَّع كيف وصف الله (عز وجل) كتابه، وكيف وصفه النبي (صلى الله عليه وسلم).
يقول تعالى: ﴿إنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، ويُفسِّر السعدي (رحمه الله) هذه الآية بقوله: أي أكرم وأنفس وأصلح وأكمل استقامة، وأعظم قيامًا وصلاحًا للأمور، فهذا القُرآن مُعجزة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وله من الأثر والبركة وقوَّة التأثير غير كل مُعجزة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلَّم): “مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى الله إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة”.
وهذا الجلال تشتاق إليه القلوب وتحتاج إليه، ففي القلب حاجة لا يسدُّها إلا ذكر الله والتلذُّذ بكريم بخطابه، وإن فيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بكتابه، وإن فيه قلقًا وخوفًا لا يؤمنه إلا السكون إلى ما بشَّر الله به عباده، وإن فيه فاقة لا يُغنيها إلا التزوُّد من حِكم القرآن وأحكامه، وإنه لعلى حيرة واضطراب لا ينجيه منها ولا يهديه إلى سواء الصراط إلا الاهتداء بنور ربِّه وبرهان كتابه العزيز.
إن العبد المؤمن مهما بلغ من العلم مكانة ومن التقوى منزلة، فإنه لا يستغني عن القرآن مثبتًا وهاديًا ومعينًا، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، فمتى هجرت القلوب كتاب ربِّها قست، والهجر لا يكون مُجرد هجر تلاوته، بل قد يُتلى القرآن ولكنه لا يجاوز الحناجر، فهذا لا ينفع القلب، فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بتدبُّر وتفكُّر، وبإطالة التأمل، ولهذا يقول ابن القيِّم (رحمه الله): “فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبُّر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها”.
الفكرة من كتاب تدبُّر القرآن
حين نتأمَّل في وقع القرآن الكريم على الصحابة (رضوان الله عليهم)، ومُراقبة أحوالهم، وكيف كانوا قبل القُرآن وكيف صاروا بعده، نجد أن للقُرآن سطوة عجيبة! ووقعًا مُختلفًا، فما الفارق بين القرآن الذي نزل فيهم والقرآن الذي بين أيدينا؟ لا فارق.. وإنما هو فارق التلقِّي والتعامل مع القرآن، يقول تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، فلم يكن تدبُّر القرآن عند سلفنا الصالح درسًا يُسمع أو كتابًا يُقرأ بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلب القارئ وهو يتجه إلى القرآن!
في هذا الكتاب يُجدِّد لنا الكاتب معارف وأحوالًا تجعل القلب يظفر بحياة جديدة مع القُرآن، وسبيل تدبُّره، ليكون قُرَّة العين، وحياة القلب.
مؤلف كتاب تدبُّر القرآن
سلمان بن عمر السنيدي: كاتب ومفكر إسلامي، سعودي الجنسية، قدم العديد من محاضرات التزكية والتعليمية، وله عدد من المؤلفات المُتعلقة بالقرآن الكريم وتدبُّره، منها: “من أجل تدبر القرآن”، و”واقع تدبر القرآن في مدارس التحفيظ”، وكذلك مؤلفات أُخرى ككتاب “التنوُّع المشروع في صفة الصلاة”.