المواقف الطبيعية
المواقف الطبيعية
تتسم هذه المواقف بفكرة رئيسة هي قاسم مشترك بين جميع آرائها، وهي كون الإنسان جزءًا من الكون، وبما أن قوانين الكون واحدة ولا تتغيَّر، فإن الإنسان يخضع للتفسير الطبيعي كما تخضع له جميع أجزاء الكون.
وتختلف فيما بينها في كون أي قوانين الكون أشد تأثيرًا في الإنسان، هل هي القوانين البيولوجية، أم الاجتماعية، أم النفسية، أم الاقتصادية؟
يرى أصحاب المدرسة البيولوجية أن القيم ذات صبغة عضوية تطوُّرية، بمعنى أنها تتطوَّر وترتقي كما هو حال الكائنات العضوية، فيبدأ الإنسان باكتساب هذه القيم، ثم يخلق لها نسقًا خاصًّا ويعلي من قيمتها، ثم ينقدها ويرتقي إلى ما هو أعلى منها.
بينما يرى أصحاب المدرسة السيكولوجية أو النفسية أن القيمة لا بد أن ترضي وتُشبِع رغبة داخل الإنسان.
ويرى أصحاب المدرسة الاجتماعية أن المجتمع هو الذي يعطي الأشياء قيمتها، وهذه القيم لا بد أن تخضع لقوانين الطبيعة، وتتمثَّل قيم المجتمع في أنها هي أعلى درجات تطوُّر القيم، فالقيم عندهم ليست ما ينبغي أن يكون، وإنما القيم هي ما يكون عليه المجتمع.
أمَّا عن أصحاب المدرسة الاقتصادية فإن مفهوم القيمة لديهم يحمل معنيين: معنًى عامًّا يتمثَّل في عدم خلو أي فاعلية إنسانية دون وجود اعتبار اقتصادي لها، ومعنًى خاصًّا يتمثَّل في أساس علم الاقتصاد والأساس الفلسفي الذي تبنى عليه نظريات علمائه، أما مثال المعنى الخاص فهو نظرية العرض والطلب التي بُني عليها علم الاقتصاد الحديث، ومثال المعنى العام الذي يتمثَّل في وصف النشاط الإنساني بأسره بمنظور اقتصادي، هو الفكر الماركسي.
تزعم النظرة الماركسية أن الواقع المادي هو ما يحدِّد الوعي والقيم الاجتماعية وينشئها، بمعنى أن عالم الأشياء هو الذي ينشئ عالم الأفكار والقيم.
الفكرة من كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
في ظلِّ هذا الكون الفسيح يتقاسم الإنسان إحساسًا بضآلته داخل هذا الكون، ويشعر بكونه ملقًى في الهواء لا يجد ما يتمسَّك به، ومع ذلك يراوده إدراك بأن له دورًا في هذا الكون ليقوم به، فلا يملك هذا الإنسان إلا أن يتمسَّك بشعاع النور، وهو القيَم لعلَّه يجد ما يحيا من أجله في هذا الكون.
فماذا تعني هذه القيم؟ وماذا كانت آراء من قاموا بتفسير طبيعة القيم والمسائل التي تتعلَّق بها قديمًا وحديثًا؟ وهل القيم من صنع البشر أم أن وجودها يأتي من خارج هذا العالم؟ وهل القيم مجرد وسيلة إلى غاية أعظم منها أم أنها غاية تُطلَب لذاتها؟
ومن خلال آراء من قام بمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، سنجد من يغوص داخل النفس الإنسانية باعتبارها محلًّا للقيم، ومن يبحث في المجتمعات باعتبارها موضع أثر هذه القيم، ومن يبحث في الطبيعة باعتبار كون الإنسان جزءًا منها، ومن يبحث فيما وراء الطبيعة بحثًا عن معانٍ لا تدرك بالحواس، وإنما تدرك بالعقل والفكر.
يُحدِّثنا الكتاب حول طبيعة القيمة، والمواقف والآراء المختلفة التي قيلت فيها، ويجيب في النهاية عن بعض الأسئلة المهمة التي تتعلَّق بموضوع القيمة.
مؤلف كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
صلاح قنصوة: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في القاهرة عام 1936م، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة، وعمل رئيسًا لقسم الفلسفة في جامعة الزقازيق، كما حصل على دكتوراه في مناهج البحث من دولة النرويج.
أعطى اهتمامه الأكبر في مؤلفاته إلى علم الفلسفة، ويعدُّ الكتاب الذي في أيدينا من أهم الكتب التي ألَّفها، وله عدة مؤلفات أخرى مثل: “كتاب فلسفة العلم”، و”اغتراب العلم”، و”في فلسفة الفن”، و”العلم والدين وأسلمة العلم”، إلى غير ذلك من المؤلفات الفلسفية الأخرى.