الموارد الطبيعية والمرض الهولندي
الموارد الطبيعية والمرض الهولندي
الحرب الأهلية تعتمد في تمويلها بشكل مطلق على الثروات الطبيعية، ومثالًا على ذلك “أنجولا”، اعتمدت مجموعة التمرُّد المسمَّاة (الاتحاد الوطني من أجل استقلال أنجولا) على “الماس” من أجل تمويل الحرب، وعلى الجانب الآخر من نفس الصراع موَّلت “الحركة الشعبية لتحرير أنجولا” التابعة للحكومة الحرب عن طريق الاعتماد على “النفط”، وبسبب اعتماد الحرب على هذين الموردين الطبيعيين، فقد كانت رحى الحرب تتأرجح بين الطرفين لأنها كانت تتأثَّر بشكل واسع بسعر النفط مقارنةً بسعر الماس.
فعندما زاد سعر الماس وانخفض سعر النفط خلال الحرب، أدَّى ذلك إلى زيادة دخل مجموعة المتمردين، وبالتالي كانت الحرب تميل إليهم، وعندما عادت أسعار النفط إلى الارتفاع مرة أخرى، وضيَّق المجتمع الدولي الخناق على أسواق الماس مالت كفَّة الحرب إلى جانب الحكومة.
وبعد أن تضع الحرب أوزارها، فإن الطرف المنتصر لا يتوقف عن إنفاق الدخل الناتج عن الموارد الطبيعية على الجيش الخاص به، وذلك من أجل الحفاظ على بقائه ووجوده في السلطة، ورغم أن ميزانية الإنفاق العسكرية بعد انتهاء الصراع تنخفض إلى العُشر، فإن هناك نموًّا اقتصاديًّا طفيفًا يساعد بشكل مباشر على التقليل من نسبة الخطر لأنه يرفع مستوى الدخل بشكل تصاعدي، لكن ما إن تدقَّ طبول الحرب الأهلية مرة أخرى حتى تجهز على هذا النمو الطفيف الذي تحقَّق خلال فترة السلام!
وبناءً على ذلك تُعدُّ الثروات الطبيعية الموجودة في الدول التي تعيش تحت خط الفقر أحد العوامل التي تساعد على نشوب الحرب، فمنذ ثلاثين عامًا ظهر تفسير أطلق عليه لعنة الموارد الطبيعية أو اللعنة الهولندية، فعندما اكتشفت هولندا الغاز الطبيعي في بحر الشمال، أدى ذلك إلى زيادة صادرات البلد من الثروات الطبيعية، ما أدى إلى ارتفاع سعر صرف العملة الهولندية مقارنةً بالعملات الأخرى، ما أفقد البلدان الأخرى قدرتها التنافسية، ما يعني “أن الحاجة إلى دفع ثمن المواد المستوردة هو ما يعطي الصادرات قيمتها في الدول التي تنتجها”، وقد أصيبت “نيجيريا” بهذه اللعنة الهولندية في السبعينيات، عندما ارتفعت صادرات النفط لديها، فأدَّى ذلك في المقابل إلى انخفاض ملحوظ في صادرات نيجيريا من الفول السوداني والكاكاو لأن ربحهما أقل، ما أدَّى إلى انهيار سريع في الإنتاج الزراعي سبَّب ضررًا كبيرًا للمزارعين، وبالتالي فإن العائدات من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي وغيرهما تجعل الحكومات أكثر سوءًا، ويضرُّ بالنمو الاقتصادي ويبطئه!
الفكرة من كتاب مليار نسمة تحت خط الفقر.. لماذا تخفق البلاد الأشد فقرًا في العالم؟ وما الذي يمكن عمله حيال ذلك؟
يدور الكتاب حول مجموعة من الفخاخ التي جعلت مجموعة من الدول في أفريقيا ووسط آسيا (كملاوي وسيراليون) وغيرهما، تقبع في أسفل العالم، تلك الدول التي لا تعيش تحت خط الفقر وحسب، بل وفاشلة في تحقيق أي نمو اقتصادي مقارنةً بالدول النامية والدول المتقدمة، ما يزيدها فقرًا فوق الفقر الذي تعيش فيه يومًا بعد يومٍ، فهي بلدان في الحقيقة تعيش في مهب الريح، وتهيم على غير هُدى، فبعض هذه الدول لم تقتصر القضية معها على السقوط في الخلف فقط، بل سقطت بعيدًا وأغرقت في السقوط، ومن هنا يبين لنا الكاتب معالم الفخاخ التي أدت إلى سقوط تلك الدول، وبالتبعية إلى سقوط مليار نسمة من سكان العالم في الفقر المدقع، ما كوَّن عالمًا مصغرًا مملوءًا بالتعاسة والفقر والاستياء!
مؤلف كتاب مليار نسمة تحت خط الفقر.. لماذا تخفق البلاد الأشد فقرًا في العالم؟ وما الذي يمكن عمله حيال ذلك؟
بول كوليير هو اقتصادي بريطاني، يعمل في مجال التطوير الاقتصادي، حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، ويشغل منصب أستاذ في معهد الدراسات السياسية، وأستاذ زميل في كلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد البريطانية، وهو متخصص في المآزق السياسية والاقتصادية والتنموية للدول المنخفضة الدخل، وقد أسس مركز دراسة الاقتصادات الأفريقية وظل مديرًا له حتى عام 2014، له عديد من المقالات واللقاءات الصحفية والفيديوهات، ومن كتبه المترجمة إلى اللغة العربية:
مليار نسمة تحت خط الفقر.
الهجرة: كيف تؤثر في عالمنا؟
ومن كتبه باللغة الإنجليزية:
The Plundered Planet: Why We Must, and How We Can, Manage Nature for Global Prosperity.
Plundered Nations? Successes and Failures in Natural Resources.
معلومات عن المترجم:
هيثم جودت نشواتي: مترجم، ترجم عددًا من الكتب، منها:
السلحفاة.. التاريخ الطبيعي والثقافي.
رواية “الطريق” بالاشتراك مع المترجم “معين محمد الإمام”.
مليار نسمة تحت خط الفقر.