المنهج التغريبي للريف
المنهج التغريبي للريف
لطالما احتفظ الريف ببريقٍ ورونقٍ خاص لطبيعته الاجتماعية الخاصة وبنيته الدينية والثقافية التي تميِّزه عن طبيعة المدن الهشَّة، ومنذ اليوم الأول حيث وضع المستعمر قدمه في القاهرة وغيرها من المدن؛ وهو يخطِّط ويدبِّر كيف يتجاوز تلك الخصائص المتينة وذلك الارتباط الوثيق للمجتمع الريفي.
لم يجد المستعمر في المدن ما وجده في الأرياف من مقاومة بنيوية ثقافية ودينية، فاستطاع أن يؤثِّر في المدن بسهولة ويُغيِّر من العادات والتقاليد والأعراف والأخلاقيات والقيم عن طريق وسائلَ شتى، مثل الصحافة ونشأة السينما والتلفزيون وبث السموم الأخلاقية فيها، كما أخذ المستعمر الطرق العلمية والتربوية في التغيير بإنشاء المدارس والجامعات ذات اللغات الهجينة والتعليم المختلط بين الشباب والبنات، كما تم إنشاء الكثير من المؤسسات العلمية والاجتماعية والاقتصادية التي اتخذت من تحسين أوضاع الناس المادية وسيلة إلى غاية كبرى وهي (التغريب).
وعندما لمس المستعمر في المدن الإسلامية الأثر في نفوس المسلمين؛ مثقَّفيهم وعوامهم، اتجه إلى الريف لإحكام قبضته أكثر وأكثر، حتى إذا ما غادر البلاد، ترك خلفاءَ يدينون له ويقومون مقامه في غيبته، وقد وجَّهت الأمم المتحدة للعرب ميثاقًا يسمى “التربية الأساسية”، والتي تهدف علنًا إلى تغيير النزعات والأفكار والاتجاهات للصورة الغربية أو لصورة قريبة منها، مُعلِّلةً أن ذلك التغيير الفكري هو السبيل الأسرع للتغييرات المادية الاقتصادية وتحسين مستويات معيشة الفقراء.
وكانت أول مرحلة من التغيير الفكري في الريف هي (مرحلة التعرف)، وهي مرحلة تتكوَّن فيها العلاقات الاجتماعية وتُبنى فيها الثقة الكاملة بين دُعاة التغيير والمسؤولين عنه وبين أهل الريف والفلاحين، واستغلال ذلك التعارف في التواصل مع عمداء القرى وذوي التأثير والرأي الذين يُسمع لهم من العامة، وتلك المرحلة الأولية ستكسر حاجز الغُربة بين الفلاح الأصيل والمنهج الفكري الجديد، ثم تأتي مرحلة البحث والدراسة والتي يحدث فيها جمع معلوماتي وتكوين صور علمية وبحثية دقيقة قائمة على الملاحظة والتمحيص في الأوضاع العينية التي يتعايش معها الباحثون والمُوكل إليهم تلك المهام، حيث كان كل باحث في قرية ما يكتب كل ما يراه وما يلاحظه من أهل القرية، وأفعالهم وعاداتهم وأعرافهم وملبسهم ومأكلهم وحالاتهم المادية والاجتماعية في طريقة أشبه بالمستشرقين القدامى، ثم يتم جمعها بهدف تحليلها والحصول على نتائج قابلة للتطبيق وَفقًا للأهداف المُحدَّدة سلفًا.
الفكرة من كتاب حصوننا مُهدَّدة من داخلها
رغم أن الواقع العربي والإسلامي اليوم ليس على ما يرام فيجب القول إنه لولا كلمات المفكرين الإسلاميين والعلماء وكل من تنبّه إلى صنيع الاستعمار ومحاولته لاحتلال العقول وتفريغها من الهوية الإسلامية والذاتية العربية، لكان الوضع أسوأ أضعافًا مضاعفة.
في هذا الكتاب، يتحدَّث الكاتب بدايةً عن المجتمع الريفي ومدى تماسكه وكيف مثَّل شوكة في حلق المستعمر، ثم ينتقل للحديث عن القومية والمبالغة فيها حد الانفصال عن بقية العرب، ثم يوضِّح ما تتعرَّض له المرأة المسلمة من ضغوطات خارجية وداخلية، وأخيرًا يسرد المشاريع اللغوية التي كانت محط أنظار المثقفين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما زالت تتلوَّن بألوان مختلفة إلى اليوم.
مؤلف كتاب حصوننا مُهدَّدة من داخلها
محمد محمد حسين، أديب إسلامي مصري، ولد سنة 1912، وهو باحث في الأدب العربي، وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وتدرَّج في التدريس بالجامعات المختلفة من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وجامعة بيروت، والجامعة الليبية، وتوفي عام 1982.
له العديد من المؤلفات المهمَّة في الأدب والفكر الإسلامي، مثل:
الإسلام والحضارة الغربية.
الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر.
الروحية الحديثة دعوة هدامة.
الهجاء والهجاءون في الجاهلية.