المنظور التاريخي للاستشراق
المنظور التاريخي للاستشراق
يبدأ الكاتب متسائلًا بلسان أحد المستشرقين فيقول: “لماذا يبدو لنا بديهيًّا كغربيين أن الإرهاب عربي، والتعصُّب إسلامي؟”.
لقد مثَّل الدين الإسلامي منذ ظهوره مشكلة بالنسبة إلى أوروبا، وبخاصةٍ بعدما اجتاحت الفتوحات الإسلامية قلب العالم النصراني، وبناء على تلك العقلية، تكوَّنت الحروب الصليبية، وكان الدافع الأول والأساسي لدراسة الشرق هو الرغبة في معرفة الأعداء وتفنيد الإسلام بوصفه دينًا مزيفًا في زعمهم، وفي عام 1143م صدرت أول ترجمة لاتينية للقرآن الكريم، بهدف الحثِّ على دراسة الإسلام واللغة العربية كوسيلة لتنصير المسلمين بشكل سلمي بعدما فشلت الحملات الصليبية في ذلك.
وفي القرن السادس عشر وبزوغ عصر النهضة تخلَّت الكنيسة عن حلم الشعوب المسيحية الموحَّدة واستبدلت به فكرة التمركز حول الأنا، وتزامن ذلك مع عصر التنوير وما شنَّه المفكرون والفلاسفة من حملات ضد الكنيسة لقمعها للفكر الحر، مما فتح الطريق للتعامل مع الإسلام بتجرُّد وموضوعية، وقدمت تلك الفترة أبحاثًا متعاطفة مع الإسلام بوصفه أكثر عقلانية وتسامحًا عن المسيحية؛ فهو يدعو إلى حياة أخلاقية مع احترام معقول لمتطلَّبات الجسد والحياة الاجتماعية، ولكن ظلت الصورة المرسومة عن الشرق الإسلامي في المخيلة الأوروبية تعاني تشوُّهاتٍ حادة، وبخاصة بعد دخول العامل السياسي إثر الاستعمار الغربي على بلاد المشرق.
وأُنشِئَت أول مدرسة لدراسة اللغات الشرقية الحية في باريس عام 1795م، وساعد سلفستر دي ساسي على صناعة منهج كامل لكل من يرغب في العمل الاستشراقي، وبفضل جهوده تحوَّلت باريس في الثلث الأول من القرن التاسع عشر إلى قبلة لمن يريد التخصُّص في دراسة اللغات الشرقية، ولكن في منتصف القرن العشرين تغيَّر مفهوم الاستشراق تدريجيًّا، فبعد أن كان حكرًا على فقهاء اللغة شهد هذا الحقل باحثين من حقول معرفية أخرى كعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وأحيانًا المختصين في الأدب والفنون.
ومنذ أواخر التسعينيات التي تزامنت مع سلسلة من الهجمات على سفارات الولايات المتحدة في أفريقيا والشرق الأوسط وهجمات على برجي التجارة العالمي والبنتاغون، تنامت الكتابات عن الإسلام باللغات الغربية على نحو مذهل، وعلى رأسها كتاب “أين الخطأ؟” لبرنارد لويس، والذي تبنَّى فيه موقفًا متطرفًا ضد الإسلام، وملخَّص رؤيته تلك أن سبب العداء الإسلامي على الغرب هو عجزهم عن التقدم مع إعجابهم بالحضارة الغربية، مما آل إلى حالة من الغضب والحقد على الغرب، لا بسبب السياسات القمعية الغربية في العالم العربي وانتشار الفقر وانعدام فرص العمل والحياة الكريمة، بسبب السيطرة الأجنبية الاقتصادية والسياسية على مقدَّرات تلك الشعوب، وكذلك تزايدت الأبحاث العلمية والأكاديمية عن نساء الشرق وأصبح الجندر أحد الموضوعات المركزية في خطاب العلاقات الدولية المتعلقة بالشرق الأوسط.
الفكرة من كتاب حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية
ما المقصود بالاستشراق؟ وما البنية الفكرية لتلك الأبحاث؟ وما أبرز المحطات الفكرية والتاريخية التي مر بها منذ نشأته؟ وما أبرز الانتقادات الموجهة إلى الدراسات الاستشراقية سواء على المنهج الأنثربولوجي والمنهج اللغوي؟
يتناول هذا الكتاب قضية الاستشراق وموقف المجتمع الغربي من واقع المجتمعات الإسلامية بغرض تعميق الوعي بالسياسات الغربية، وبخاصةٍ بعد تغلغل تلك المفاهيم في المجتمعات الإسلامية وسيطرتها على منافذ التأثير بسبب شبكات الاتصال العالمي، التي أصبحت بمنزلة شكل جديد للاحتلال.
مؤلف كتاب حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية
عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي: كاتب سعودي، له العديد من المقالات منها: معنى الحياة في العالم الحديث، الاستقبال العربي لعلم اللغة، الإبادة الثقافية، وله كتاب بعنوان “التبرج المسيَّس”.