المنشأ
لقد فقد الغرب منذ زمنٍ بعيد معنى الحياة الدنيا، والغاية من الوجود فيها، وصنع علاقة طرديّة بين التقدم العلمي، والرقيّ الروحي، وأن هذا هو السبيل الأوقع والأمثل، حتى إنهم على عكس البقيّة لم يعبدوا معبودًا روحانيًّا، وإنما عبدوا المادة وكل ما يوصِل إلى الرفاه.
على النقيض من ذلك كان الإسلام يرى إمكانَ الرقيّ الروحي صفة أصيلة في النفس البشرية لا يتوقف على الرقيّ المادي، قد يجتمعان وقد يفترقان، وأن الحياة لا تقوم على مبدأ الانتخاب الطبيعي، وأن للبيئة الاجتماعية دورًا في تنظيم حياة الفرد المسلم، وتذليل الصعاب، والحث على الخير، ولقد تمتعت المجتمعات الإسلاميّة بتماسك قويّ مُفارق لما عليه في الغرب، فكان الاعتداء التتري مثالًا واضحًا على الدولة الإسلاميّة كافيًا لهز نظام الحكم السياسي والاجتماعي، إلّا أن أثر ذلك لم يكن إلّا بعد ألف ومئتيّ عامٍ حتى تنهار الخلافة، وتبدأ مرحلة التفكك التي نشهدها الآن، أما عن انهيار الإمبراطورية الرومانية فلم يستغرق سوى مئة عام، وقد حوى هذا النظام عدة مقومات مؤدية إلى الانهيار، منبعها أن الفكرة التي قامت عليها هي السُّخرة للوطن الأُم، والاجتياح بالقوة.
وعلى الرغم من دعوة الغرب الحديث إلى التسامح الدينيّ فإنه لا يرى فائدة أو مجالًا لإدخال الدين في نظام الحُكم الحالي، وعلى النقيض مما يعتقده البعض بأن أساس الغرب الحديث قائم على الدين النصرانيّ، بل إنه قائمٌ على أنقاض الإمبراطورية الرومانية الوثنية الديانة، إذ إن الكنيسة في العصور الوسطى فرضت الكثير من القيود على الغرب، مما أدى بهم إلى إنكار كل ما له سُلطانٌ روحي على الإنسان، وفي أثناء عصر النهضة كان للمسلمين فضل كبير عليهم لا يمكن إنكاره، وفي الوقت الذي عانت أوروبا فيه من الركود ازدهرت الدولة الإسلاميّة علمًا وعملًا، حتى إن أثر هذا الازدهار والبعث ممتد إلى يومنا هذا، فالعصر العلمي الحديث لم يكن مركزه أوربا ذات الطابع الدينيّ النصرانيّ وإنما في مُدن المسلمين أنفسهم (قرطبة، ودمشق، وبغداد، والقاهرة).
الفكرة من كتاب الإسلام على مفترق الطرق
لقد تراجع المسلمون عن تطبيق الشريعة الإسلاميّة، وقابل ذلك الانبهار الحضاري بالغرب وتقدّمه، ومنبعُ ذلك التفريط في التمسّك بالسنة النبويّة، التي هي تطبيقٌ عمليّ للقرآن الكريم على أيدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابهِ (رِضوان الله عليهم)، وقد تطرق الكاتب في هذا الكتاب إلى أصل المشكلة ومنشأ العداء بين الشرق والغرب، وكيف يمكن للمسلمين أن يعودوا إلى مجدهم، وماذا يمكنهم أن يستفيدوا من الغرب فيه، وما يجب عليهم تجنّبه في تقليدهم والسعي إلى النهوض مرة أخرى على خُطاهم.
مؤلف كتاب الإسلام على مفترق الطرق
محمد أسد: ليوبولد فايس (كما كان يُدعى قبل إسلامِه) وُلد في النمسا عام ١٩٠٠م، من أسرة يهوديّة، درس الفلسفة في جامعة فيينا بالنمسا، وعمل مراسلًا صحفيًّا، وبعد إسلامه عام ١٩٢٦م استقر به الحال في باكستان، عمل مترجمًا، ومفكرًا، ورحّالة، ومصلحًا اجتماعيًّا، وبعد حصوله على الجنسية الباكستانية نظيرًا لجهوده في دعم إقامة دولة إسلاميّة في الهند، تم تعيينه مديرًا لدائرة إعادة الإعمار، ومن ثم تم تعيينه مبعوثًا إلى الأمم المتحدة بنيويورك إلّا أنه استقال من فوره ليتفرغ إلى كتابة سيرته الذاتية، توفي عام ١٩٩٢ بغرناطة في إسبانيا، وله العديد من المؤلفات والتراجم منها: الطريق إلى الإسلام، ومنهاج الإسلام في الحكم، وفي التراجم: صحيح البُخاري، ورسالة القرآن.
معلومات عن المترجم:
عمر عبد الله فرّوخ: لُبنانيّ وُلِد في بيروت عام 1904م، تخرّج في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعتي برلين ارلنجن بألمانيا، نشأ في أسرة مسلمة متديّنة، واهتم كثيرًا باللغة العربية، ودعى لأن تكون اللغة الأساسية المستخدمة في الصحافة، وأتقن مع العربية الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة، عمِل في التدريس، وتوفّي عام 1987م عن عمرٍ يناهز ثلاثة وثمانين عامًا، ورحلة زاخرة بالمؤلفات والتحقيقات والتراجم.