الملك المتجنب
الملك المتجنب
أما المرحلة الثانية في علاقة الملك بالحركة الوطنية والوفد فقد ثارت شرارتها من خطاب الوفد للملوك وهجومهم عليه؛ مما جعل الاحتلال يتدخل لتوسيع التباعد بينهم وإحداث قطيعة نهائية، فقد كان الملك سعيدًا بكون الحركة قريبة منه وتحت رعايته لتحقيق أهدافها، أما الآن وقد خرجت من (بيت الطاعة) فقد أصبحت تستحق إعادة النظر، وقدم أعضاء الوفد التماسًا للملك غير أنه رفض استقبال الموقعين عليه.
وقال إن هذه الوثيقة لم تنكر وجود الحماية فقط وما يترتب عليها من اعتراف بسلطة الملك المستمدة منها، بل حملت كثيرًا من مظاهر التهديد المكشوف له لو وافق على تشكيل وزارة جديدة غير وزارة صدقي باشا، وكانت هذه الوثيقة أقرب إلى وثيقة الطلاق بين الملك والحركة، الأمر الذي أتاح للجانب البريطاني تصعيد الموقف، وفي خلال أربعة أيام من المشاورات بين المندوب البريطاني وحكومته تمت الموافقة على اعتقال سعد ومحمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي.
ساقتهم بعدها إلى ثكنات قصر النيل العسكرية، ومنها إلى بورسعيد حيث أبحروا إلى مالطة، وسط قبول من السلطان الحانق عليهم، وتفجرت عن هذا أعمال عنف واسعة فيما عرف بثورة 1919 في اليوم التالي لنفيهم، الأمر الذي دفع فؤاد إلى التنحي جانبًا وترك الأمر للبريطانيين، استمر هذا التنحي ما يناهز ثلاث سنوات بين تفجُّر الثورة وتصريح 28 فبراير 1922 بدا فيها الرجل حريصًا على عدم التورط في أحداث تلك الفترة، بل وحتى في الأحداث العامة.
فقد شهدت تلك الفترة حالة من عدم التواصل بين الوزراء لم تُشهد من قبل في تاريخ مصر، وكان تدخُّله في تشكيل الوزارات في أضيق الحدود، وترك المهمة لدار المندوب السامي، واكتفى بإصدار الأوامر السلطانية المتعلقة بالتشكيل أو قبول الاستقالة، بل وأحيانًا لم يكن يقوم بهذا، والحادث الوحيد الذي أجبره على الخروج من صمته هو مولد فاروق، ومناقشته السلطات البريطانية لمسألة نظام الوراثة، وخصوصًا في ظل تمسك ابن أخيه عباس حلمي الثاني بحقه في العرش.
الفكرة من كتاب فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول
إن فترة حكم الملك فؤاد من الفترات الشائكة في التاريخ المصري الحديث، بسبب مهادنته للاحتلال أحيانًا ودعم الحركة الوطنية أحيانًا أخرى، مما جعل من الصعب تحديد مواقفه الحقيقية، وهل كان مجرد تابع للاحتلال، أم ذا سيادة مستقلة؟
في هذا الكتاب نتعرف على تاريخ الملك فؤاد وأحوال حكمه لمصر وتاريخ المؤسسات الوطنية التي أُنشئت في عهده، ومعارضات حزب الوفد له وللاحتلال ونصب المكائد لغيره ليستأثر بالحكم.
مؤلف كتاب فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول
يونان لبيب رزق (1933- 2008): مؤرخ مصري معاصر، ترأَّس قسم التاريخ الحديث في كلية الآداب بجامعة عين شمس، وكان عضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس الشورى، والمجلس الأعلى للصحافة، حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1995، وجائزة مبارك في العلوم الاجتماعية عام 2004.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
الوفد والكتاب الأسود.
قراءات تاريخية على هامش حرب الخليج.
الحياة الحزبية في مصر في عهد الاحتلال البريطاني.