الملامح النفسية للوجود المتخلف
الملامح النفسية للوجود المتخلف
تتحدَّد الملامح النفسية للمجتمع المتخلف في إطار ما يسميه الكاتب بعلاقة القهر التي تحكم حياة الناس في هذا المجتمع، فالإنسان في الدول المتخلفة محكوم بعلاقات من القهر والتسلط والرضوخ أمام قوى التسلط والاستبداد التي تتحكم في حياته، وهو بدوره لا يقوى على مجابهتها بسبب ما يصيبه من استباحة لإنسانيته وكرامته ومحاولات دائمة ومستمرة غير منقطعة لبخسه كل حقوقه وإشعاره دائمًا بأن كونه حيًّا يأكل ويشرب فإن هذا محض تفضُّل عليه من السيد وصاحب السلطة.
وبهذا يتم رد الإنسان إلى شيء لا حقَّ له ولا مكانة ولا قيمة، وهو ما يجعله يفقد الشعور بذاته، ويصل بذلك إلى نقطة اللا عودة، حيث يفقد السيطرة على نفسه ويستسلم بالكلية للمتسلِّط، وتتحكَّم علاقات التسلط والقهر هذه في الإنسان في كل أبعاد حياته، في العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين، والعلاقة بين الموظف والعميل، والمدرس والطالب، ورجل الشرطة والمواطن، والأب وأبنائه، والزوج وزوجه، فنجد أن هذه العلاقات كلها يسِمُها تسلُّط طرف على الآخر محاولًا إخضاعه وقمعه.
وأمام هذا الوضع الاعتباطي والمزري لحال الإنسان في العالم المتخلف، يصاب الفرد في هذه المجتمعات بمجموعة من العُقد تميِّز حياته؛ أبرزها عقدة النقص التي تصيبه بسبب الاعتباطية والتهديد الدائم لأمنه وصحته وقوته وعياله، ولأنه يفتقر إلى الإحساس بالقوة والقدرة على المجابهة، والذي يمدُّ الحياة بنوع من العنفوان ويشعره بالاحترام، فإنه يصاب بالشعور بالنقص وعدم الأهلية، ويزيد هذا الشعور تغذية الفئة المتسلطة له بُغية استمرار تسلطها، ومع النقص تصيبه عقدة العار، فيخيِّم على حياته هاجس الفضيحة؛ فضيحة العجز أو الفقر أو الشرف أو المرض.
ويترتَّب على هذا سعي دائم وحثيث للبحث عن الستر، الستر عن أعين الناس وكلامهم، وأخيرًا يصيبه ما يسمى باضطراب الديمومة، والذي يعني أن إنسان العالم المتخلف غالبًا ما يتم انتزاعه من أصوله التاريخية بفعل الاستعمار والهيمنة الثقافية من دول الغرب، فيصبح فاقدًا للامتداد التاريخي الذي يربطه بأصوله، كما أن حاضره مشوه بفعل عمليات التسلط والقهر المستمرة، وهكذا يصبح مستقبله ضبابيًّا وتُسدُّ أمامه آفاق التطلع إلى مستقبل جيد.
الفكرة من كتاب التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
كثيرة هي الكتابات التي تناولت قضية التخلُّف في الدول النامية! ولكنَّها تركَّزت بالأساس حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثمَّ قدمت حلولًا ترتكز على الاقتصاد والصناعة بوصفها منطلقات لنجاح عملية التنمية والتحديث، وتجاهلت معظمها عن عمدٍ أو جهل الإنسان، بوصفه محورًا رئيسًا لعملية التنمية، فقدَّمت هذه الأطروحات حلولًا مستوردة وحاولوا توطينها في بيئة غير التي خُلِقت لها، ولهذا لم تنتج إلا مشاريع برَّاقة صورية لم تحقِّق تنمية حقيقية ولا تقدمًا ملموسًا.
وفي هذا الإطار يأتي هذا الكتاب ليتناول الإنسان المتخلف بوصفه موضوعًا رئيسًا، ويركز على نفسيته وظواهر حياته وتصرفاته ونظرته ومواقفه واستجاباته للحياة من حوله، ويرى الكاتب أن سيكولوجية التخلف من الناحية الإنسانية هي سيكولوجية الإنسان المقهور الذي تسيطر على حياته علاقات القهر والتسلُّط والاعتباطية، والتي يواجهها بالرضوخ تارة وبالتمرد تارة أخرى، ومن ثم يعمد الكاتب إلى تناول سمات هذا الإنسان وأبعاده شخصيته كما سنرى.
مؤلف كتاب التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور
مصطفى حجازي: مفكر وعالم نفس لبناني. حصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة ليون بفرنسا، وعمل أستاذًا للصحة الذهنية بجامعة لبنان ثم الجامعة البحرينية.
من أبرز مؤلفاته: “حصار الثقافة: بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية” (1998)، و”الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية (2006)، و”الصحة النفسية: منظور دينامي تكاملي للنمو في البيت والمدرسة” 2006، و”علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية” 2010، و”إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي” 2011.