الملابس الرياضية وظاهرة الجينز
الملابس الرياضية وظاهرة الجينز
تكشف الأبحاث التي أُجريت على الملبس، أن الطبقات العُمالية تفضل “الكم على الكيف”، وتشتري من المحلات ذات الأسعار المناسبة وذات السعر المنخفض، على خلاف أصحاب المرتبات الثابتة والمستقرة الميسورين، فهؤلاء يفضلون “الكيف على الكم”، فهم يبحثون عن المنتجات الجيدة بغض النظر عن السعر، بينما يبحث النساء اللائي يشغلن الوظائف الإدارية عن صيحات الموضة، ورغم هذا الاختلاف بين الفئات والطبقات الاجتماعية، فقد كان العمل دائمًا على أن لا يؤثر هذا الاختلاف في “الزي المتحرر والعملي والملابس الرياضية”، فالميل نحو “الاسترخاء” كان وما زال هو شعار عصر الفردانية الذي نعيشه، فمثلما نشاهد الدعوات التي تطالب بالاستقلال داخل مؤسسة الزواج وممارسة الجنس، فكذلك هناك استقلالية في عالم الأزياء والملابس التي يتم تصميمها بحيث لا تعوق حركة الإنسان وحريته، وتتم ترجمة ذلك من خلال الملابس الرياضية التي تنتجها الشركات والماركات العالمية، وتلك الموضة من الملابس تتجاوز الموضة التي تقوم على التنافس الطبقي والتمايز الاجتماعي، فمن خلال الملابس الرياضية يرسل المرء رسالة مفادها البحث عن الحرية والراحة، معلنًا بذلك عن ذوق جمالي يظهر شبابه وحيويته.
كما أن ظاهرة “الجينز” من الظواهر الجديرة بالاهتمام، حيث شملت صيحة الجينز جميع الطبقات الاجتماعية مثلما شملت جميع الأعمار والجنسين -الرجال والنساء- على حدٍّ سواء، إن الجينز مثله مثل جميع الموضات الأخرى، لا يتم فرضه من أحد على آخر كما أنه بعيد عن أي تقليد للماضي، وبهذا فهو يكشف لنا عن التقدير الحُر للخصوصية التي يتبنَّاها الأفراد، كما أن الدعاية الكبيرة للجينز تظهر لنا أن الموضة تعظم دائمًا وأبدًا منطق الفردانية، يتميَّز الجينز بأنه يمكن ارتداؤه في جميع الظروف والأحوال ولا يحتاج إلى كَيِّ أو إلى نظافة مستمرة، كما أنه مُريح مع حرية الحركة، وقد كان أول من ارتدى الجينز الشباب الثائرون على المعايير المجتمعية السائدة المتفق عليها بين الجميع، كونها في نظرهم تتناقض مع القيم الليبرالية الاستهلاكية الجديدة، إلى جانب ذلك ارتبط الجينز بالإقبال على أنواع معينة من الموسيقى كموسيقى “الروك”، كما أنه يرمز إلى التطلُّع إلى حياة خاصة أكثر حرية وأقل قيودًا وأكثر سهولة، وبالتالي فالجينز هو تعبير عن مظهر ثقافي مفرط الفردانية يقوم على تقديس الجسد كونه يرسم شكل الجسد مبرزًا الأرداف وطول السيقان وحجم المؤخرة، فهو على النقيض من الملابس الفضفاضة التي تُخفي وراءها سحر الجسد وتواريه عن الأنظار التي عُرِفت في الماضي، وبالتالي حقَّقت الموضة الغواية النسائية في ظاهرة الجينز، ومن هنا حققت “الديمقراطية الفردانية” قفزة كبيرة إلى الأمام بالانتشار الواسع والكبير للجينز.
الفكرة من كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
ظلَّت الموضة خلال مراحل التاريخ المختلفة تابعة للعادات ولا تخرج عليها، وبالتالي بقيت الأزياء في الحضارات المختلفة في حالة استقرار لا يأتي عليها جديد، إلى أن جاءت المدنية الغربية وعصر الحداثة لتنقلب الموضة على كل ما هو قديم منكرة للماضي ومتمرِّدة على التقاليد في مقابل احتفاءها بالحاضر، ومن هنا يبحث المؤلف من خلال كتابه هذا نشأة الموضة كونها ظاهرة قصيرة الأجل ومتناقضة، إلى جانب بحثه في أسباب هذا السيل الجارف من الأزياء وانتشار الملابس الرياضية وثقافة الجينز في سياق فكري وفلسفي.
مؤلف كتاب مملكة الموضة زوال متجدِّد.. الموضة ومصيرها في المجتمعات الغربية
جيل ليبوفتسكي ، هو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، اشتهر بنقده للحداثة وما بعد الحداثة، وله العديد من المؤلفات في ذلك، ومنها: “المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”عصر الفراغ.. الفردانية المعاصرة وتحوُّلات ما بعد الحداثة”.
معلومات عن المترجمة:
دينا مندور، مترجمة وباحثة مصرية، حاصلة على درجة الماجستير في “إشكاليات الترجمة” من جامعة إكس مارسيليا في فرنسا، كما أنها عضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، لها العديد من الترجمات، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، وغيرهما.