المكان يتكلم
المكان يتكلم
يدافع الكلب عن فناء سيده ويتخذ أماكن ثابتة للنوم، ويعود طائر أبو الحنا إلى نفس عشه كل عام، وتستخدم بعض الحيوانات البحرية نفس المكان للولادة، ونحن البشر نطور الإقليمية بسرعة مذهلة، فغالب الناس في الجلسة الثانية يعودون إلى مقعدهم في الجلسة الأولى ويبدون غضبًا لو استولى آخر على مقاعدهم، والمستولى نفسه يفهم ذلك وقد يقدم الاعتذار، للنساء الأمريكيات تعلق حساس بمطابخهن فحتى الأم قد لا يمكنها دخول مطبخ ابنتها، والمطبخ بالنسبة إليهن موطن السيادة وموضع الاستقرار، والمرأة التي لا تستطيع السيطرة على مطبخها تقع تحت نفوذ امرأة أخرى، وينطبق الأمر ذاته على مكتب الوالد ومتجره. 9
عند السفر إلى مكان جديد ينبغي مراقبة أين يقف الناس وأين يجلسون، لا يتقبل الأمريكيون الملامسة الجسدية مع الأغراب، وعندما يسافر أمريكي إلى بلد آخر قد يفاجأ بأن عليه أن يقتحم ويدافع الناس للحصول على تذكرة وتمتد على كتفه الأيادي من كل اتجاه، ويعالج الأمريكيون المكان بذاتية شديدة فلو رسمت خريطة للولايات المتحدة كما يتخيلها المواطن العادي ستظهر كل معالم نيويورك وهوليود في حين تبقى المنطقة بينهما فارغة أو مشوشة، ومعظم الأمريكيين يجدون صعوبة في دراسة الهندسة والجغرافيا لاختلاف الحيز الثقافي غير الرسمي عن ما يتم شرحه، ويُختار الاتجاه حسب معايير تقنية ونفعية، فليس لاتجاه أفضلية مطلقة على آخر، لكن توجد اتجاهات مقدسة في ثقافات أخرى كاتجاه القبلة عند المسلمين، والأنهار المقدسة في الهند تتجه جنوبًا، وأبواب هنود النافاهو تتجه شرقًا.
يحتار الماشي في شوارع باريس إذ يتغير اسم الشارع بالتقدم فيه دون سابق إشارة أو تقاطع أو تغير اتجاه، لا يمثل قرب المكان أهمية كبيرة في فرنسا وإنجلترا، بينما يحرص الأمريكي على انتقاء جيرانه بعناية لأن بين الجيران حقوقًا والتزامات واتصالات حميمة.
الفكرة من كتاب اللغة الصامتة
لو أنك عربي تريد أن تعيش في الولايات المتحدة فلا يكفيك إتقان اللغة الإنجليزية وتناول الغداء في مطاعم الوجبات السريعة، فثمة لغة غير محكية ينبغي لك معرفتها للتكيف مع نمط الثقافة الأمريكية. إنَّ اللغة الصامتة هي انعكاس لسلسلة معقدة ومتشابكة من الاتصالات غير الشفوية، وترجمة لطائفة كبيرة من السلوكيات والإشارات والكنايات وأنماط التعليم والأفكار وأسلوب التعاطي مع الزمان والمكان، والأعراف التي نتعامل بها داخل نظامنا الاجتماعي وتميزه عن غيره بأشياء خلاف الاختلافات الرسمية المُعلَنة. إن اللغة الصامتة ليست وسيلة للتواصل بقدر ما هي طريقة لبناء ثقافة المجتمع وتنظيم أنماط الحياة، ويمكن اعتبارها نقيض العولمة، فهي ليست عالمية بل سمة مُميِّزة للمجتمع والعائلة والفرد!
مؤلف كتاب اللغة الصامتة
إدوارد تي هول : هو أستاذ جامعي متخصص في علم الإنسان، وُلد عام ١٩١٤ وتخرّج في جامعة كولومبيا ومنها حصل على درجة الدكتوراه. درّس في جامعات كثيرة مثل هارفارد ودنفرو ومعهد إلينوي للتقنية، كما خدم في الجيش الأمريكي وعمل في الخارجية الأمريكية. صاغ هول مصطلحات أنثروبولوجية عن علاقة الثقافات والأعراف المختلفة بمفاهيم الزمان والمكان.
من مؤلفاته:
– البعد الخفي.
– Beyond culture.
– The dance of life: other dimension of time.
المترجِمة لميس فؤاد: ترجمت “البعد الخفي” للمؤلف نفسه، و”التحليل النفسي الفوري” لديفيد ليبرمان، و”كيف تحصل على الأفكار” لجاك فوستر.