المقاومة والطريق نحو المستقبل
المقاومة والطريق نحو المستقبل
ينتظم العالم اليوم في معسكرين كبيرين: كتلة القوى الاقتصادية الكبرى المتمثِّلة في أمريكا والاتحاد الأوروبي، وكتلة القوى النامية التي تتطلَّع إلى صنع نهضتها الخاصة وتحقيق اكتفائها الذاتي، وتضارب المصالح فيما بينهما، ففي حين تطلب الكتلة الأولى نظيرتها الثانية بفتح أسواقها للمنتجات الزراعية الأمريكية والأوروبية، في حين تصر الكتلة الثانية على استمرار الدعم المقدَّم من الدول الكبرى إلى نظيرتها النامية لدعم قطاعها الزراعي وتوطين الزراعة الحديثة بالبلاد، وبين هذه الكتلة وتلك يبقى مصير المزارعين معلقًا بنتيجة الصراع بينهما، حيث تسعى الدول النامية إلى طلب العدالة الاقتصادية ووضع نوع من القواعد التي تحفظ التوازن الدولي بين الاقتصادات المتقدمة والنامية منعًا من تدهور الأحوال وحدوث القلاقل والاضطرابات الداخلية، نتيجة اختلال موازين الأمن الغذائي والخوف من شبح المجاعات الذي بات يهدِّد أغلب سكان الدول النامية.
امتدَّت تلك الصراعات وهيمنت على الأوضاع الداخلية لتشمل حراكًا شعبيًّا استطاع أن يشكِّل نوعًا من الضغط على الأنظمة الحاكمة، فانتشرت حركات وجمعيات مناوئة عديدة لهيمنة السياسات الاقتصادية للدول الكبرى على الدول الأخرى، لا سيما مع تدخل البنك الدولي في اللعبة ليحمل لواء الرأسمالية المعاصرة لتسيطر على الكوكب بأكمله فأصبحت الدول الفقيرة بذلك واقعة بين مطرقة الاضطرابات الداخلية وشبح المجاعات وبين سندان الضغوط الدولية وسياسات القوى الاقتصادية الكبرى.
ولكن لم تنتهِ القصة بعد، ففي حين استسلمت بعض الدول واكتفت بالدوران في فلك النظام العالمي الجديد، لجأت بعض الدول إلى صنع معادلتها الخاصة لإسكات ألم البطون الجائعة من مواطنيها غير مكترثة بمواءمات السياسة الدولية، فانتهجت رؤية استراتيجية تقوم على فرض سيادتها على أمنها الغذائي وحدَّدت أنماط الإنتاج والاستهلاك وفق كل قطر من نواحي البلاد، ووضعت نصب عينيها مصالح المزراعين بدلًا عن الشركات الكبرى العابرة للقارات، ولأجل تحقيق الاستدامة الزراعية وتحقيق دورة اقتصادية مكتملة لجأت تلك الدول إلى دمج النشاط الصناعي لتعظيم الاستفادة ورفع القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المحلية، ولتأكيد تلك السيادة الزراعية عملت على تأصيل الخبرات والتكنولوجيا الزراعية ومحاولة خلق التوازن بين الإنتاجية العالية والاستقرار البيئي.
الفكرة من كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
يعاني اليوم أكثر من مليار ومئة مليون نسمة الجوعَ وسوء التغذية، إلا أن ذلك يحدث في وقت يُنتج فيه العالم من الغذاء ما يكفي لإطعام سكان الكوكب كافة، فما المشكلة إذًا؟!
يناقش هذا الكتاب قضية الأمن الغذائي وأبعادها المتعلقة بتكنولوجيا الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى الأطراف الفاعلة في صناعة الجوع القائمة على أشدها، كما يتطرق إلى نضال الدول والشعوب في الحصول على حقها في الغذاء وصراعها مع أطماع مافيا الغذاء وسياسات المؤسسات الدولية الكبرى، التي تتعمد وأد كل محاولة من شأنها أن تمنح الدول النامية حقها في الاستقلال الغذائي حتى لا تخرج بذلك عن فلك التبعية.
مؤلف كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
والدن بيللو Walden Bello: ولد في 11 نوفمبر 1945 في الفلبين، حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل أستاذًا في مجاله بجامعة الفلبين، كما أنه مؤسس معهد دراسات جنوب العالم وعضو اللجنة الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، واختارته الجمعية الدولية للدراسات أبرز علماء الاجتماع في العالم 2008م.
له العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والتحليلات السياسية عن أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وأزمة الغذاء، والأزمة المالية، ورؤية نقدية لمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وعن الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.