المقاطعة في التاريخ الحديث

المقاطعة في التاريخ الحديث
ثمة مقاطعات كثيرة في التاريخ الحديث، منها مقاطعة إيطاليا لبضائع النمسا في عام ١٨٧٤، ومقاطعة الدولة العثمانية لبضائع النمسا عام ١٩٠٨ لضمها البوسنة والهرسك إلى مملكتها. ومع انتشار الرأسمالية صارت المقاطعة سياسة تتبعها الدول القوية لنيل ما تريد، وصارت أيضًا وسيلة تَرُدُّ بها الشعوب المقهورة، ومثال ذلك ما فعله الأمريكيون سنة ١٧٧٣ حين ألقوا في البحر صناديقَ الشاي التي حملتها السفن البريطانية الراسية في ميناء بوسطن، احتجاجًا على سيطرة بريطانيا على التجارة في دولتهم الناشئة، ومهد ذلك لإعلان الاستقلال بعد ثلاث سنوات.

وبعد الحرب العالمية الثانية امتنع كثير من الأوربيين عن شراء البضائع الألمانية، وقاطع اليابانيون بعد هزيمتهم السلع الأمريكية والأوربية، وشجع ذلك الإنتاج الياباني، وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات قاسية على من يخالفها كالعراق وكوريا الشمالية وغيرها.
ومن أمثلة المقاطعة الاقتصادية الشعبية التي حققت نجاحًا مذهلًا في التاريخ الحديث، مقاطعة السود في جنوب إفريقيا للنظام العنصري الأبارتيد، إذ استوطن البيض البلاد ومنحوا أنفسهم حق السيادة فيها. وفي منتصف الثمانينيات، دعا قادة التمرد إلى مقاطعة كل السلع والخدمات في الأسواق الموجودة حيث يسكن السود، واستجاب الشعب جميعًا للدعوة، ونفد صبر الحكومة فردت بحملات اعتقالات واسعة زادت الأمر سوءًا، وأجبرت الثورة الشعبية السلطة على الاستقالة، وعُين «فريدريك ويليام دي كلارك | Frederik Willem de Klerk» رئيسًا للبلاد، فأعلن المصالحة مع الشعب وأخرج نيلسون مانديلا من السجن، وانتهت سياسة التمييز العنصري.
الفكرة من كتاب المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب
تمثل العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الشعوب ضرورة كبيرة للمجتمعات الإنسانية، وقد تطورت تلك العلاقات عبر التاريخ حتى أخذت شكل النظام الاقتصادي الحالي في ظل العولمة، ما يجعل الإضرار بشركاتٍ تابعة لدولة معينة يؤثر في عجلة الاقتصاد فيها، مما قد يدفعها إلى تغيير مواقفها السياسية وغيرها، والمقاطعة الاقتصادية معروفة منذ قديم الزمان على أنها وسيلة لإضعاف الخصوم، أو تعبير سلمي عن رفض لمواقف شعب أو حكومة في بلد آخر.
وفي السنوات الأخيرة تكررت دعوات المقاطعة في بلادنا، فما تاريخ المقاطعة الاقتصادية؟ وهل هي نافعة حقًّا؟ وكيف هي نظرة الشريعة الإسلامية إليها؟ وما الذي يعوقها عن تحقيق أهدافها؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب
عرابي عبد الحي عرابي: باحث سوري تركي، ولد بحلب عام ١٩٨٥، ونال الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الشريعة في جامعة دمشق في عام 2009، وحصل على الماجستير في علم الكلام من جامعة «تراكيا | Trakya» في عام 2017، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة «تشاناكالي | Çanakkale» عام 2023، وله دراسات تخصصية في الفلسفة وعلم الكلام والشؤون السياسية والفكرية، وعمل مديرًا علميًّا لمؤسسة السبيل.