المفاوضات نحو الجلاء
المفاوضات نحو الجلاء
توصَّل المصريون بعد تجارب كثيرة أنه لا فائدة حقيقية من التفاوض مع الإنجليز من أجل الجلاء ما لم يستند هذا التفاوض إلى قوة حقيقية وهي الكفاح بالسلاح؛ لذا وضع المؤتمر المشترك بين الوزراء ومجلس قيادة الثورة خطة طويلة الأمد للاستعداد للكفاح المسلح ضد الإنجليز على أن يبدأ الكفاح بكتاب الفدائيين الأحرار حتى يتم هذا الاستعداد.
وبالفعل بدأت الهجمات على معسكرات الإنجليز بمنطقة القناة وكبَّدتهم خسائر كبيرة، ولم تمضِ ثلاثة أشهر من عام 1953 حتى توسَّط الأمريكان عند الحكومة المصرية لقبول المفاوضات مع الإنجليز.
رفض المؤتمر في البداية المفاوضات لما عُرِف من مناورات الإنجليز، ولكن دعا فريق إلى دخول المفاوضات، ولم يكن الخلاف الأكبر في المفاوضات على الجلاء في المدة الزمنية التي يستغرقها أو طريقة صيانة القواعد العسكرية، ولكن في الحالات التي تسمح لبريطانيا بالعودة إلى القاعدة مرة أخرى، وقد تمسَّك الجانب المصري بضبط هذه الحالات واقتصارها على حدوث هجوم مسلح بري بينما توسع الإنجليز فيها، وهكذا انقطعت المفاوضات لتعنُّت الإنجليز ومناوراتهم.
وفي يوليو 1954، وبقيادة عبد الناصر وزملائه هذه المرة، استؤنفت المحادثات المصرية البريطانية، ولكن الفارق هذه المرة أن الجانب المصري قرَّر قبول ما كان مصرًّا على رفضه وعلم سليمان حافظ من الأستاذ فتحي رضوان -وكان وزيرًا حينها- أن عبد الناصر وزملاءه خافوا على مناصبهم إذا تشدَّدوا في المفاوضات ولم يقبلوا ما عرضه الإنجليز.
وأحس سليمان بعد سماعه لهذا الخبر أن الضباط الشبان قد انقلبوا من ضباط مخلصين يعملون من أجل الوطن ويكافحون في سبيل قضايا الشعب إلى طالبي سلطان لا يهمُّهم سوى مصالحهم الشخصية ولو على حساب العهد الذي برموه مع الشعب.
الفكرة من كتاب ذكرياتي عن الثورة
دائمًا ما يُنظر في التاريخ إلى من يتصدَّرون المشهد في الأحداث الكبرى، وفي هذه الفترة الحرجة في تاريخ مصر -ثورة يوليو- كانت هذه العناية في النظر التاريخي من نصيب الضباط الأحرار بشكل أساسي ومن اشتبك معهم بدرجة أقل.
وممن أُغْفِل دورهم في هذه الفترة هو سليمان حافظ خبير القانون الذي حمل على عاتقه صبغ أعمال الثورة وتصرفات الضباط الشباب بالشرعية القانونية، بالإضافة إلى ما أنيط به من مهام محورية في أحداث الثورة وما أعقبها من تحديات، ومن هذه المهام مشاركته في كتابة وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش وحملها إليه لتوقيعها. وفي هذه المذكرات، يُطلعنا سليمان حافظ على بعض أحداث هذه الفترة العصيبة عن قرب، ويعرض فيها مواقفه وآراءه ليحاسب نفسه أولًا ثم ليحاسبه التاريخ.
مؤلف كتاب ذكرياتي عن الثورة
سليمان حافظ علي: نائب رئيس مجلس الدولة المصري عند قيام ثورة 23 يوليو، وُلد بالإسكندرية عام 1896، وحصل على ليسانس الحقوق من الجامعة المصرية عام 1920.
عمل في بداية حياته في المحاماة قبل أن يدخل السلك القضائي، ثم انتقل إلى مجلس الدولة عام 1949، وتولَّى مناصب مهمَّة إبَّان الثورة منها المستشار القانوني لرئاسة مجلس الوزراء في وزارة على ماهر، ونائب لمحمد نجيب في وزارته ووزير للداخلية، كما تم ترشيحه لتشكيل الوزارة خلفًا لعلي ماهر ولكنه رفض.