المعرفة في مواجهة الفعل
المعرفة في مواجهة الفعل
يبيِّن غينون أحد أسباب التعارض بين الشرق والغرب، وهو المقابلة بين المعرفة (أو التأمل) والفعل، فالعقل الشرقي يتجه نحو التأمل أكثر ولكنه لا يلغي الفعل بل يعتبره ثمرة ونتيجة للتأمل، بينما العقل الغربي يتجه نحو الفعل لكنه يؤكد هيمنة الفعل ويقوم بنزع أي قيمة للتأمل، وبسبب انقطاع الغرب عن التأمل والروحانيات؛ ابتدعوا نظريات تضع العمل فوق كل شيء مثل البراغماتية، ولم يكن العقل الغربي هكذا دائمًا؛ ففي العصر القديم والوسيط كان العقل الغربي يميل إلى التأمل قبل الفعل، إلا أن العقل الغربي الحديث أحدث قطيعة مع التأمل وجنح للفعل.
ويبرهن المؤلف على أهمية تقديم التأمل على الفعل؛ فيقول إن الفعل هو تغيير عابر ومؤقت للكائن، وهذا الفعل لا بد أن يرتبط بمبدأ أعلى منه، والمبدأ لا يمكن أن يوجد من غير التأمل أو المعرفة، لكن ما يحصل في الغرب الحديث هو أن الفعل بسبب انفصاله عن المعرفة وغياب المبدأ، أصبح الغاية في حد ذاته وبالتالي يُنتج فوضى عقيمة، ولذلك كانت السمة الأكثر وضوحًا للعصر الحديث هي الرغبة في الحركة والتغيير الذي لا ينتهي، والسرعة الزائدة للأحداث، وهذا التشتت والاضطراب سببه المادية التي يجنح إليها العالم الغربي؛ فالمادة تشير إلى الكثرة والانقسام، لذلك كلما انغمسنا في المادة أكثر زادت عوامل الانقسام والتضاد، وكلما ارتقينا نحو الروحانية اقتربنا من الوحدة التي لا تتحقَّق إلا بالوعي بالمبادئ العامة.
الفكرة من كتاب أزمة العالم الحديث
يناقش غينون الأزمة التي يمر بها العالم الحديث، ويشير إلى أن سبب هذه الأزمة يتلخَّص في الانقطاع عن التراث والجوانب الروحية، ففي هذا الكتاب، يركِّز غينون على التدهور الذي أنتجه العقل الغربي الحديث في مجالات العلوم والفلسفة والاجتماع والسياسة، ويعرض نماذج من هذا التدهور الذي يظهر في: العلم الدنيوي، والفردانية، والفوضى الاجتماعية، وغيرها، كما يشير الكاتب أيضًا إلى وجهة نظره في كيفية الخروج من هذه الأزمة.
مؤلف كتاب أزمة العالم الحديث
رينيه غينون: كاتب ومفكر فرنسي وُلد في نوفمبر عام 1886، تأثَّر بالعقائد الشرقية وعلى رأسها الصوفية، اعتنق الإسلام عام 1912 وسمى نفسه “عبد الواحد يحيى”، ذهب إلى الجزائر عام 1917 حيث درَّس الفلسفة في إحدى الجامعات هناك، ثم سافر إلى مصر عام 1930 حيث استقر فيها وحصل على جنسيتها وتوفي فيها عام 1951.
من أشهر مؤلفاته: “الشرق والغرب”، و”هيمنة الكم وعلامات آخر الزمان”.
معلومات عن المترجمين:
عدنان نجيب الدين: باحث أكاديمي ومترجم وأستاذ الفلسفة المعاصرة في الجامعة اللبنانية، ولد عام 1951 في بيروت، عمل في مجال التعليم وحاضر في الفلسفة والترجمة.
والشيخ جمال عمَّار