المعرفة الجمعية والذكاء الاجتماعي

المعرفة الجمعية والذكاء الاجتماعي
يتعايش الإنسان ضمن مجتمعات تعتمد على المعرفة المشتركة، إذ يتبادل الأفراد الخبرات والمعلومات لتحقيق أهداف جماعية. يظهر هذا التبادل جليًّا في تقاسم المعرفة والغايات، إذ يُسهم كل شخص بما يمتلك من معلومات ومهارات، مما يؤسس لأساس مشترك يُمكّن من تحقيق أهداف الجماعة، وقد بيّنت الأبحاث النفسية أن البشر يوزعون المهام الإدراكية بشكل غريزي تلقائي دون وعي.

إذا كانت المعرفة تُبنى جماعيًّا، فكيف يُعرّف الذكاء بشكل فردي؟ هذا هو الإشكال الذي يواجهه علماء النفس الذين درسوا الذكاء لأكثر من قرن دون الوصول إلى تعريف محدد له، مما يشير إلى أن تحديد القدرات الإدراكية الأساسية للأفراد قد لا يكون النهج الأمثل لفهم العقل البشري، فعندما نتأمل مفهوم الذكاء نجد أنه يتجاوز القدرات الفردية ليشمل الإسهامات الجماعية، فالذكاء في جوهره ليس مجرد مجموعة من القدرات العقلية الفردية، بل هو عملية ديناميكية تتفاعل ضمن سياق اجتماعي، فإذا كان التفكير وتحصيل المعرفة والفهم عمليات تحدث تحت إطار اجتماعي، فإن الذكاء يكمن في الجماعة وليس في الأفراد وحدهم، إذا نظرنا من هذا المنظور، يُعد الذكاء الجماعي إذًا مؤشرًا إلى قدرة المجتمع على التنسيق والتعاون لحل المشكلات وتحقيق الأهداف.
لذا لا يحتاج الفريق الناجح إلى أعداد كبيرة من الأفراد ذوي الدرجات المرتفعة في اختبارات الذكاء، بل يحتاج إلى تنوع في المهارات بصرف النظر عن الهدف، سواء كان البحث عن طعام، أم إدارة مصنع، أم بناء منزل، فإن كل مهمة تتطلب مهارات متعددة، ويكون الأداء أفضل عندما يضم الفريق مجموعة متكاملة من المهارات اللازمة لإنجاز المهمة.
الفكرة من كتاب وهم المعرفة: لماذا لا يفكر الإنسان منفردًا؟
إن العقل البشري معقد متناقض، فهو قادر على الإبداع والتفكير العميق، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون محدودًا غير منطقي، فنحن قادرون على تحقيق إنجازات باهرة كاستكشاف الفضاء والوصول إلى القمر، وتطوير الخضراوات المعدلة وراثيًّا، وفهم أسرار الذرة، لكن في الوقت ذاته، نجد أنفسنا غافلين عن الكيفية التي توصلنا بها إلى معظم هذه الأمور، فالجميع يعاني وهم الفهم بدرجات متفاوتة، وهو الاعتقاد الزائف بأننا نفهم كيفية عمل الأشياء، في حين أن فهمنا الحقيقي لها محدود، ألا تصدقني؟ حسنًا.. دعنا نجرب الآن
لنختر شيئًا بسيطًا غالبًا ما تراه في حياتك اليومية على مقياس من 1 إلى 10، كم تقدر مدى فهمك لكيفية عمل سحاب البنطال؟ يبدو الأمر بسيطًا، أليس كذلك؟ احتفظ بالرقم الذي وضعته، ثم أحضر ورقة وقلمًا وحاول شرح تلك العملية تفصيليًّا، بعد ذلك قيم فهمك مرة أخرى، هل تغير الرقم؟ ربما أصبح أقل، على الأرجح سيحدث ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو “لماذا لا ندرك حقيقة جهلنا؟ ولماذا نظن أن فهمنا عميق عندما يكون الواقع مغايرًا؟”، هذا ما سيجيب عنه كتابنا من خلال تشريح مفصل للآليات العقلية التي تقف وراء هذه الظاهرة، كما سيوضح لنا كيف وصلنا إلى هذا التقدم الكبير الذي نعيشه اليوم رغم وجود هذه الظاهرة، وسيقدم لنا أيضًا طرائق لحلها.
مؤلف كتاب وهم المعرفة: لماذا لا يفكر الإنسان منفردًا؟
ستيڤن سلومان: عالم نفس يهتم بدراسة الجوانب المعرفية للكيفية التي يفكر بها الإنسان منفردًا وفي المجتمع، يعمل أستاذًا في قسم العلوم المعرفية واللغويات والعلوم النفسية بجامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية، نشر مجموعة واسعة من الأعمال في مجلات مرموقة مثل: The New York Times، وBBC World News، له كتاب آخر بعنوان:
“Causal Models: How People Think about The World and Its Alternatives”
فيليب فيرنباخ: عالم نفس معرفي، حصل على درجة الدكتوراه في العلوم المعرفية من جامعة براون، يعمل حاليًّا أستاذًا للتسويق في مدرسة ليدز لإدارة الأعمال في جامعة كولورادو، يهتم بدراسة طرائق تفكير الناس ويطبق أبحاثه من أجل مساعدة أصحاب الأعمال والمستهلكين والمديرين على اتخاذ قرارات أفضل، إذا يشغل منصب المدير المشارك لمركز أبحاث القرارات المالية للمستهلكين، وهو أيضًا عضو في معهد العلوم المعرفية بجامعة كولورادو.
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.