المعاناة الخفية
المعاناة الخفية
في أواخر أكتوبر من عام 1985 سافر ستايرون إلى باريس لاستلام جائزة “سينو ديل دوكا” تكريمًا لما قدمه من أعمال أدبية رائعة، وأراد بهذه الرحلة أن تكون استجمامًا له ليتخلَّص من مشاعر الحزن والقلق المداومين معه، ولكن قبل سفره بأيام قليلة تأكَّد أنه يعاني مرض الاكتئاب بشكل حاد وخطير، فعلى الرغم من أن الطبيعي أن تغمره البهجة وتزداد قيمته بنفسه وتقديره لذاته فإنَّ ما حدث معه كان عكس ذلك تمامًا، فكان يشعر بالتعاسة الشديدة وأنه بلا قيمة، وهذا شعور طبيعي يمرُّ به جميع مرضى الاكتئاب، ولكن الاختلاف بين ستايرون وجميع المرضى أنه كان يمارس حياته بشكل طبيعي في ساعات الصباح الأولى، ثم تبدأ مشاعره في التغيير تدريجيًّا بعد الظهر، فيصاب فيها بالحزن والخوف والقلق حتى المساء. كان ستايرون يرى أن أي شخص لم يمر بالاكتئاب من قبل لا يشعر أبدًا بكم المشاعر المتضاربة والسوداوية التي يعيشها المريض، فكان عليه أن يتعامل طبيعيًّا خلال مراسم الحفل ثم عند حضوره لمأدبة الغداء التي كانت تقام خصيصًا له، وأثناء ذهابه إلى متحف “بيكاسو” شعر حينها بالهلع والارتباك الشديد،
وكان الألم الذي بداخله يشبه الغرق أو الاختناق، واستمر هذا الشعور، بل وازداد حتى عاد إلى الفندق وكان وقتها شبه عاجز عن الحركة، لدرجة أنه شعر وكأن إدراكه يغيب تمامًا عنه، بل ويحلُّ محله ألم شديد غير قادر على تحمُّله، وفي نهاية يوم استلام الجائزة ذهب هو وزوجته لمقابلة ناشرته الفرنسية “فرانسواز” وابنها وصديقها، وكان يصف حالته آنذاك بالحي- الميت بين الناس، فبينما كان يجلس الجميع على الطاولة فإذا به يكتشف أنه فقد شيك الجائزة المقدَّر بنحو 25 ألف دولار، ما زاد تأكيده أنه لا يستحق هذه الجائزة ولا يستحق أي شكل من أشكال التقدير.
الفكرة من كتاب ظلام مرئي – مذكرات الجنون
بعد إنكار دام لعدة أشهر، تأكَّد الروائي الكبير ويليام ستايرون أنه يعاني اضطرابًا اكتئابيًّا خطيرًا، وذلك في أواخر أكتوبر من عام 1985م، وكان ستايرون يظن في البداية أن ما يمر به من مشاعر قلق وأرق وتعب ما هي إلا أعراض انسحابية لامتناعه عن شرب الكحوليات وجميع المسكرات، ولكنه بعد فترة أدرك أنه كان يمر بشيء أكبر لا يمكن وصفه، فهو أشبه باللغز الكبير، ونقل لنا الكاتب رحلة أصابته بمرض الاكتئاب ومعاناته معه وكيف تخلَّص منه وعاد إلى حياته مرة أخرى.
مؤلف كتاب ظلام مرئي – مذكرات الجنون
ويليام ستايرون : كاتب وروائي أمريكي ولد عام 1925 في ولاية فرجينيا بأمريكا، درس في كلية الآداب، وعمل في الكتابة ونال العديد من الجوائز مثل “بولتزر”، وجائزة الكتاب الأمريكي. كانت رواياته دائمًا تثير الجدل في بلده، حتى إنها مُنِعَت من النشر في بعض الدول والمدارس، وقد عانى ويليام من اكتئاب حاد، وعندما تعافى منه كتب تجربته بشكل مفصَّل مع المرض ونشرها في كتاب “ظلام مرئي- مذكرات الجنون”.
ومن أشهر أعماله: “أرقد في الظلام”، و”اعترافات نات تيرنر”، و”خيار صوفي”.
معلومات عن المُترجم:
أنور الشامي: مترجم مصري ولد عام 1975، وتخرَّج في كلية الألسن بجامعة عين شمس، عمل بالصحافة وترجم العديد من السير الذاتية والأعمال الأدبية المختلفة مثل: رواية “1984” لجورج أورويل، و”أنا ملالا” للناشطة ملالا يوسفزاي.