المصفوفة العصبية
المصفوفة العصبية
لم يكن النهج الدوائي هو الأفضل في علاج الشعور بالألم كما أوضحنا سابقًا، ومع اكتشافنا للمسارات الخارجية، أي المراكز العليا الموجودة في الدماغ التي تشارك في عملية الشعور بالألم، أصبح أمامنا فرصة في الوصول إلى حل أفضل، فكما ذكرنا يعتمد الشعور بالألم على الإدراك، فمن خلال القزم الحسي ندرك وجود ضرر ما، وحينها نشعر بالألم حتى تتم عملية الشفاء، وقديمًا اعتقد العلماء أنه لا يمكننا التدخل في هذه العملية، ولكننا ندرك حاليًّا إمكانية فصل الإدراك عن الألم، وكان أول ما وجه أنظارنا إلى علاقة الإدراك بالألم ما اختبره مرضى الذهان بعد عملية بضع الفص الجبهي، أي فصل الجزء الأمامي عن بقية الدماغ، إذ فقدوا القدرة على إدراك الألم في حالة الإصابات الحادة، بالإضافة إلى هذا فنحن ندرك قدرتنا كذلك على تغيير الشعور بالألم من خلال الأدوية التي تعدل المزاج، مما يعني أن للألم مكونًا عاطفيًّا، وليس حسيًّا جسديًّا فقط، وأُطلق على هذا المكون العاطفي مصطلح المصفوفة العصبية.
وباستخدام تقنية التصوير المغناطيسي، حُددت عدة أماكن في الدماغ مسؤولة عن المكون العاطفي، ومنها: اللوزة الدماغية، إذ تنشط هذه المنطقة الصغيرة خلال الشعور بالألم، وهي معنية بشعور الخوف، واستدل العلماء على ذلك من ملاحظة أن الأشخاص الذين فقدوا هذه المنطقة في عمليات جراحية، فقدوا شعورهم بالخوف من مسببات الألم المختلفة، كما ترتبط هذه المنطقة بمنطقة المهاد، مما يعني أنها تنشط وترسل إشارات عصبية إلى المهاد في حالة إدراك مسبب محتمل للألم، تعرض له الجسم من قبل.
ولا يقتصر الألم فقط على الإصابات الجسدية، فمن خلال تقنيات التصوير، تبين وجود اتصال بين الخلايا العصبية في القشرة الحزامية الأمامية ومنطقة المهاد، مما يعني أن الألم النفسي الناتج عن أحداث مثل: النبذ أو الرفض أو حتى عدم إيجاد عمل، قد يؤدي إلى الشعور الحاد بالألم الجسدي، وقد ينتج عن غياب الإصابة الجسدية وعدم القدرة على تبرير الألم ما يُعرف بالأذى الذاتي غير الانتحاري، وهو سلوك متطرف يظهر في محاولة للتأقلم مع الألم النفسي المفجع، وذلك من خلال إحداث الإصابات الجسدية الذاتية، في محاولة لاستخدام الألم الجسدي كإلهاء عن الألم العاطفي، ويظهر هذا السلوك بحدة لدى الفتيات في سن المراهقة، ومن الجدير بالذكر أنه يكون موجهًا لتشويه الذات، ولا يمثل محاولة للانتحار.
الفكرة من كتاب الدماغ والألم.. نقلة نوعية في علم الأعصاب
قد تشعر بالدهشة إذا عرفت أن الحاسة الأهم لدينا قد لا تكون حاسة البصر، ولكنها قدرتنا على الشعور بالألم، وكما أوضحت أعوام طويلة من الأبحاث، فإن الألم هو الشعور الأكثر أهمية للبقاء على قيد الحياة، فبفضل هذا الشعور المزعج ننتبه لمسببات الضرر، ونتجنبها، كما يمثل وجوده إشارة مهمة من عقولنا إلى أهمية الذهاب إلى الطبيب، فالشعور به دلالة على وجود مشكلة ما، والأمراض الأكثر فتكًا هي تلك المخادعة التي لا تحفز الشعور بالألم.
فما هي فسيولوجيا الشعور بالألم؟ وكيف تستجيب أجسادنا له؟ وما هي طرق العلاج الحالية؟ وما هو مستقبل الألم؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة وغيرها الكثير.
مؤلف كتاب الدماغ والألم.. نقلة نوعية في علم الأعصاب
ريتشارد أمبرون: هو أستاذ بارز في علم الأمراض، وعلم الخلايا في كلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا، ولمدة أربعين عامًا، تولى إدارة مختبر يبحث في الأسس الجزيئية لإعادة تجديد الأعصاب، والمسارات الجزيئية المسؤولة عن الألم.
معلومات عن المترجم:
إيمان معروف: طبيبة صَيْدَليَّة، سورية الجنسية، لها العديد من الترجمات المشهورة، ومنها:
النصف المتلاشي.
الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس.